للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَمُوتُ مِنْ عَشْرِ جِرَاحَاتٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ الْجِرَاحَةِ الْوَاحِدَةِ وَاحْتَمَلَ يَكُونُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ جَرَحَهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ سَبُعٌ وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ وَأَصَابَهُ حَجَرٌ رَمَتْ بِهِ الرِّيحُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيُجْعَلُ الْبَاقِي كُلُّهُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا هَدَرٌ، وَالْأُخْرَى مَضْمُونَةٌ وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ ثُمَّ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَيُهْدَرُ الثُّلُثُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: شَاةٌ لِقَصَّابٍ فُقِئَتْ عَيْنُهَا فَفِيهَا مَا نَقَصَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا النُّقْصَانُ، وَفِي عَيْنِ غَيْرِ بَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ وَكَذَا فِي عَيْنِ الْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، وَالْفَرَسِ لِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالْحَمْلِ، وَالرُّكُوبِ، وَالْحِرَاثَةِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ فَكَأَنَّهَا ذَاتَ أَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ أَحَدِهَا.

[مَسَائِلُ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ عَمْدًا]

(مَسَائِلُ) إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ عَمْدًا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ، وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَأَمَّا الدِّيَةُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا دِيَةَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ قَالَ اقْطَعْ يَدٍ أَوْ افْقَأْ عَيْنِي فَفَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: اُقْتُلْ عَبْدِي أَوْ اقْطَعْ يَدَهُ فَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ قَالَ اُقْتُلْ أَخِي وَهُوَ وَارِثُهُ فَقَتَلَهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَأٍ قِيلَ لِمَوْلَاهُ إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بِهَا أَوْ تَفْدِيَهُ) قَيَّدَ بِالْخَطَأِ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ ثُمَّ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ هُوَ الدَّفْعُ دُونَ الْفِدَاءِ؛ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجَبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ لَمْ يَسْقُطْ الْفِدَاءُ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ نَقَلَ الْحَقَّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّتِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا سَقَطَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ الْمَوْلَى قَتَلَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ فَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ إنْ كَانَ عَمْدًا بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَخَذَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ وَدَفَعَهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلَا يُخَيَّرُ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ وَأَعْشَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ وَيَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى إلَى أَنْ يَجِدَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَقْتَ الِاخْتِيَارِ مِقْدَارُ الْأَرْشِ كَانَ اخْتِيَارُهُ بَاطِلًا وَكَانَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) وَكُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ حَالًّا فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ الدَّفْعِ، وَالْفِدَاءِ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَادَ فَجَنَى كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ حُكْمَ الْأُولَى) مَعْنَاهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا فَدَاهُ فَقَدْ أَسْقَطَ الْجِنَايَةَ عَنْ رَقَبَتِهِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ قِيلَ لِلْمَوْلَى: إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَإِمَّا أَنْ تَفْدِيَهُ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ تَعَلُّقُ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ الثَّانِيَةَ بِرَقَبَتِهِ فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدًا وَفَقَأَ عَيْنَ الْآخَرِ اقْتَسَمَاهُ أَثْلَاثًا لِأَنَّ أَرْشَ الْعَيْنِ نِصْفُ أَرْشِ النَّفْسِ وَكَذَا إذَا كَانُوا جَمَاعَةً اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ أُرُوشِهِمْ فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ رَقَبَةً تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَاهُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ فَلَمْ يَتْلَفْ

<<  <  ج: ص:  >  >>