للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْجُودَةٌ وَهْم الَّذِينَ ضَيَّعُوهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ

[أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ]

قَوْلُهُ (وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ) لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ فَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ كَالْقَتْلِ أَوْ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْإِذْلَالِ وَذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا إذَا مَاتَ ذِمِّيًّا وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ لِمَا مَضَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَعْنِي إذَا أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ كَافِرًا

قَوْلُهُ (وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ الْجِزْيَةُ) يَعْنِي تَدْخُلُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَيُقْتَصَرُ عَلَى جِزْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ تُؤْخَذْ حَتَّى دَخَلَتْ السَّنَةُ الْأُخْرَى وَوَجَبَتْ جِزْيَةٌ أُخْرَى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْحُدُودِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهَا حَقٌّ فِي مَالٍ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالدُّيُونِ وَالْخَرَاجِ وَالْأُجْرَةِ وَإِنْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا إنْ مَاتَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ وَقِيلَ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْجِزْيَةُ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ حَتَّى تَدْخُلَ السَّنَةُ وَيَمْضِيَ شَهْرَانِ مِنْهَا

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) فَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهُمْ بِيَعٌ وَكَنَائِسُ قَدِيمَةٌ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فَلَوْ أَخَذْنَاهُمْ بِنَقْضِهَا كَانَ فِيهِ نَقْضٌ لِعَهْدِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ (وَإِذَا انْهَدَمَتْ الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا) إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَكَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحَوِّلُوهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي هِيَ فِيهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمِصْرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالصَّوْمَعَةُ لِلتَّخَلِّي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِيعَةِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ وَلَا يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ مِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً وَيُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَنْ يَتَّخِذُوا أَرْضَ الْعَرَبِ مَسْكَنًا أَوْ وَطَنًا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَإِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأُخْرِجَنَّ النَّصَارَى مِنْ نَجْرَانَ»

قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالتَّمْيِيزِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ وَسُرُوجِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَأْمُرُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَخْتِمُوا فِي رِقَابِهِمْ بِالرَّصَاصِ وَأَنْ يُظْهِرُوا مَنَاطِقَهُمْ وَأَنْ يَجْدِفُوا بَرَاذِينَهُمْ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَثْوَابِهِمْ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا تَجُوزُ مُوَالَاتُهُ وَلَا تَعْظِيمُهُ فَإِذَا اخْتَلَطَ زِيُّهُمْ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا لَمْ نَأْمَنْ أَنْ نُوَالِيَهُمْ ظَنًّا مِنَّا أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ وَأَلْجِئُوهُمْ إلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ» فَإِذَا لَمْ نَعْرِفْهُمْ لَمْ نَأْمَنْ أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ غَيْر مُتَمَيِّزٍ بِزِيِّهِ فَنُصَلِّي عَلَيْهِ وَنَدْفِنُهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَنَسْتَغْفِرُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَتَشَبَّهُ فِي لِبَاسِهِ بِالْمُسْلِمِ وَلَا فِي مَرْكَبِهِ وَهَيْئَتِهِ وَلَا يَلْبَسُوا طَيَالِسَةً مِثْلَ طَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرِدْيَةً مِثْلَ أَرْدِيَتِهِمْ وَيُمْنَعُونَ أَنْ يَلْبَسُوا لِبَاسًا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذُوا حَتَّى يَجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَسَطِهِ زُنَّارًا وَهُوَ خَيْطٌ عَظِيمٌ مِنْ الصُّوفِ يَعْقِدُهُ عَلَى وَسَطِهِ وَيَكُونُ فِي الْغِلَظِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِلرَّائِي وَيَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ مِنْ اللِّبَدِ يُعْرَفُ بِهَا لَا تُشْبِهُ قَلَانِسَ الْمُسْلِمِينَ وَيُجْعَلُ عَلَى بُيُوتِهِمْ عَلَامَاتٌ كَيْ لَا يَقِفُ عَلَيْهَا سَائِلٌ يَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ يَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَائِنَا فِي الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّا لَا نَأْمَنُ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ تَقْوَى شَوْكَتُهُمْ فَيَعُودُوا إلَى حَرْبِنَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً وَلَا يُدْخِلُونَ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>