وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهَا مُدَّةٌ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَظَهَرَ الْحَمْلُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَمَا زَادَ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا مَضَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ ظَهَرَتْ عَلَامَاتُ حَمْلِهَا بِانْتِفَاخِ جَوْفِهَا، أَوْ بِنُزُولِ لَبَنِهَا فَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بِهَا حَمْلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ.
وَقَالَ زُفَرُ: حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَتَانِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ فَقَبَضَهَا وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَاضَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَقْرَبْهَا الْبَائِعُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ، أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي حُكْمِ بَيْعٍ ثَانٍ كَالْإِقَالَةِ وَلَوْ أَقَالَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَذَلِكَ هَذَا وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ، وَالْمَأْخُوذُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَا؛ إذَا قَرِبَهَا، وَالْحِيلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَتَزَوَّجُهَا وَيَدْخُلُ بِهَا، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا أَوْ يَقْبِضَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، ثُمَّ يَبِيعَهَا وَيُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَتَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا.
[بَابُ السَّلَمِ]
لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْبُيُوعِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ بَقِيَ مِنْهَا النَّوْعَانِ اللَّذَانِ أَحَدُهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ السَّلَمُ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ جَمِيعًا فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ الصَّرْفُ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِمَا، ثُمَّ قَدَّمَ الْعَقْدَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّرَقِّي إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأَقَلِّ إلَى الْأَكْثَرِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (السَّلَمُ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ) الْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُثَمَّنًا وَالْمَكِيلَاتُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ، وَالْأَرُزِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا عُلِمَ قَدْرُهُ بِالْوَزْنِ جَازَ، وَالْمَوْزُونَاتُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَعْدُودَاتُ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عِنْدَنَا وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ فِيهَا سَوَاءٌ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ فِيهَا بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ وَالرُّمَّانِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ هَذِهِ الْبَيْضَةُ بِكَذَا وَهَذِهِ بِكَذَا، وَكَذَا الْجَوْزُ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبَيْضِ، وَالْجَوْزِ، وَأَمَّا بَيْضُ النَّعَامِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَذْرُوعَاتِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذِكْرِ الذِّرَاعِ وَهِيَ الثِّيَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ الثَّوْبِ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ وَذَرْعِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهِ وَزْنًا كَالْحَرِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ وَزْنِهِ مَعَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ وَلَا فِي أَطْرَافِهِ) يَعْنِي الرُّءُوسَ، وَالْأَكَارِعَ لِلتَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ لَا مِقْدَارَ لَهُ وَلَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَيَتَفَاوَتُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ وَالسِّنِّ وَالنَّوْعِ وَشِدَّةِ الْعَدْوِ، وَالْهَمْلَجَةِ وَهُوَ سَيْرٌ سَهْلٌ لِلْبَرَاذِينِ وَقَدْ يَجِدُ فَرَسَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي السِّنِّ وَالصِّفَةِ، ثُمَّ يَشْتَرِي أَحَدَهُمَا بِأَضْعَافِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْآخَرَ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ وَهَذَا أَيْضًا فِي بَنِي آدَمَ لَا يَخْفَى فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ، وَالْأَمَتَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ سِنًّا وَصِفَةً وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْعَقْلِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْمُرُوءَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَلَا تُوزَنُ عَادَةً وَلَكِنَّهَا تُبَاعُ عَدَدًا وَهِيَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ فَإِنْ سَمَّى مِنْهَا شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْمُصْحَفِ مَعْلُومًا وَذَكَرَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَجَوْدَتَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute