للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَضْمُونٌ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَرَوَى هِشَامٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ مَا بَاعَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْهُ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا نَقَصَهَا الْوَطْءُ، أَوْ ثَيِّبًا لَمْ يَنْقُصْهَا، وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَجَبَ النُّقْصَانُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ إنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا وَلِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِرِضَاهُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الْعُيُوبَ وَلَمْ يَعُدَّهَا) وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا يَعْلَمُ بِهِ الْبَائِعٌ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَا وَقَفَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَقِفْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى اعْوَرَّ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَالْبَرَاءَةُ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مِنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَادِثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ الْبَرَاءَةَ، وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالْمَوْجُودِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقُولَ: مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ، أَوْ قَالَ: مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ، فَفِي الْأَوَّلِ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّاءُ مَا كَانَ فِي الْجَوْفِ مِنْ الطِّحَالِ، أَوْ فَسَادِ حَيْضٍ وَمَا سِوَاهُ يُسَمَّى مَرَضًا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَلَوْ قَالَ: مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَالْغَائِلَةُ السَّرِقَةُ، وَالْإِبَاقُ، وَالْفُجُورُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: بَيْعٍ جَائِزٍ وَبَيْعٍ فَاسِدٍ وَبَيْعٍ بَاطِلٍ وَبَيْعٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ. فَالْجَائِزُ يُوقِعُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ خَالِيًا عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ، وَالْفَاسِدُ لَا يُوقِعُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُوقِعُهُ، وَإِنْ قَبَضَ بِالْإِذْنِ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يُوقِعُهُ، وَإِنْ قَبَضَ إلَّا بِإِجَازَةِ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ الْبَابُ بِالْفَاسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ مَعَ أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِالْبَاطِلِ بِقَوْلِهِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَوْجُودٌ فِي الْبَاطِلِ، وَالْفَاسِدَ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى يُوجَدُ فِي الْأَعْلَى لَا الْعَكْسُ؛ إذْ كُلُّ بَاطِلٍ فَاسِدٌ وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ بَاطِلًا، وَالْفَاسِدُ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِي الصُّورَتَيْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُحَرَّمًا، أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) أَيْ بَاطِلٌ (كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ، أَوْ بِالدَّمِ، أَوْ بِالْخِنْزِيرِ، أَوْ بِالْخَمْرِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ) أَحَدُهُمَا (غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ) هَذِهِ فُصُولٌ جَمَعَهَا، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ فَنَقُولُ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ وَكَذَا بِالْحُرِّ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَالْبَيْعُ بِالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ مَالٌ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَعْنِي أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ وُجِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>