جَمِيعًا أَيْ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْإِيجَابُ شَطْرُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَكْفُولِ لَهُ فَوَقَفَ عَلَى رِضَاهُ وَقَبُولِهِ كَالْبَيْعِ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إيجَابُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِالْقَوْلِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ تَكَفَّلْت لِفُلَانٍ كُلَّ الْعَقْدِ عَلَى أَصْلِهِ فَيَقِفُ عَلَى غَائِبٍ عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا قَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ أَنَّ ذَلِكَ يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِ عِنْدَهُ وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ إنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا مِنْ الدَّيْنِ فَاكْفُلْ لَهُ بِهِ عَنِّي أَوْ احْتَلْ لَهُ بِهِ، فَقَالَ كَفَلْت أَوْ ضَمِنْت أَوْ احْتَلْت ثُمَّ بَلَغَ الطَّالِبَ ذَلِكَ فَأَجَازَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ أَنَّ فُضُولِيًّا قَالَ ضَمِنْت مَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ فَبَلَغَهُمَا فَأَجَازَا فَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَإِذَا قَبِلَ مِنْ الْغَائِبِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا قَوْلُهُ (إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَتَكَفَّلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ) يَعْنِي إذَا أَجَازَ الطَّالِبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَكْفُولَ لَهُمْ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّمَا تَصِحُّ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ يُقَالُ أَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ وَفِيهِ نَفْعُ الطَّالِبِ كَمَا إذَا حَضَرَ بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ وَصَارَ كَأَنَّ الدَّيْنَ انْتَقَلَ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى التَّرِكَةِ فَصَارَ خِطَابُهُ كَخِطَابِ الْأَجْنَبِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُخَاطَبَ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا فَإِنَّ الضَّمَانَ يَتَوَقَّفُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى اثْنَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِ) كَمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا بِأَلْفٍ وَكَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ (فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ حَتَّى يَزِيدَ مَا يُؤَدِّيهِ عَلَى النِّصْفِ فَيَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَانِ نِصْفٌ مِنْ جِهَةِ الْمُدَايَنَةِ وَنِصْفٌ مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ فَإِذَا أَدَّى النِّصْفَ أَوْ أَقَلَّ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِ الْمُدَايَنَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَأَدَّاهُ رَجَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي الضَّمَانِ، وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا تَكَفَّلَ اثْنَانِ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا) يَعْنِي إذَا تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ الْمَالِ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا تَكَفَّلَا لَهُ بِأَلْفٍ مَعًا وَتَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنَّهُ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمُدَايَنَةِ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ حَتَّى يَزِيدَ مَا أَدَّاهُ عَلَى النِّصْفِ فَإِذَا زَادَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الزِّيَادَةِ.
[الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ]
قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ حُرٌّ تَكَفَّلَ بِهَا أَوْ عَبْدٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْعَبْدِ إزَالَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ مِنْ غَيْرِ أَدَاءً وَالْكَفِيلُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَمِنْ شَرْطِ الْكَفَالَةِ الِاتِّحَادُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَذِمَّةِ الْكَفِيلِ فَإِنْ قُلْتُ إذَا لَمْ تَصِحَّ كَفَالَةُ الْحُرِّ لَا تَصِحُّ كَفَالَةٌ لِعَبْدٍ فَلِأَيِّ مَعْنًى ذَكَرَ الْعَبْدَ قُلْتُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَشْرَفُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْكَفِيلُ تَبَعٌ لِلْأَصِيلِ فَرُبَّمَا يُقَالُ عَدَمُ الْجَوَازِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحُرَّ يَصِيرُ تَبَعًا لَوْ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ، فَقَالَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لِدَفْعِ ذَلِكَ الظَّنِّ فَعَدَمُ صِحَّتِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ لَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَبَعِيَّةِ الْحُرِّ لِلْعَبْدِ كَذَا فِي الْمُشْكِلِ وَقَيَّدَ بِمَالِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَكَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ عَنْهُ جَازَ وَإِذَا كُوتِبَ الْعَبْدَانِ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا حَتَّى أُعْتِقَ أَحَدُهُمَا جَازَ الْعِتْقُ وَبَرِئَ عَنْ النِّصْفِ وَبَقِيَ النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِحِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ أَيَّهمَا شَاءَ الْمُعْتَقُ بِالْكَفَالَةِ وَصَاحِبُهُ بِالْأَصَالَةِ فَإِنْ أَخَذَ الَّذِي أُعْتِقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ أَخَذَ الْآخَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute