ابْتَاعَهُ مِنْهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِمَتَاعِهِ وَصُورَتُهُ اشْتَرَى سِلْعَةً وَقَبَضَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي، أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ، أَوْ بَعْدَمَا دَفَعَ طَائِفَةً مِنْهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِأُنَاسٍ شَتَّى فَالْغُرَمَاءُ جَمِيعًا فِي الثَّمَنِ أُسْوَةٌ وَلَيْسَ بَائِعُهَا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ عَيْنِهِ وَرَضِيَ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُنْظَرُ: إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ حَالًّا فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ: أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَتَاعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، ثُمَّ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِثَمَنِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ كَالْمُرْتَهِنِ فِي ثَمَنِ الْمَرْهُونِ، وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ حَلَّتْ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ وَقَدْ خَرِبَتْ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَحَلٌّ مَعْلُومٌ فَتَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ وَمُقْتَضَاهَا الْحُلُولُ.
(مَسْأَلَةٌ) فِي قِسْمَةِ الدَّيْنِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ:
رَجُلٌ مَاتَ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ لِآخَرَ ثَلَاثُونَ وَلِآخَرَ عِشْرُونَ وَلِآخَرَ عَشَرَةٌ فَخَلَّفَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَنَقُولُ: مَجْمُوعُ الدَّيْنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَيُضْرَبُ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةٌ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَصِحُّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَهُوَ الَّذِي يَخُصُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ - لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ نَقُولَ: كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مَضْرُوبٌ فِي التَّرِكَةِ مَقْسُومٌ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ -، وَتَضْرِبُ لِصَاحِبِ الثَّلَاثِينَ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَخْرُجُ الْقَسْمُ سَبْعَةً وَنِصْفًا وَلِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الْعَشَرَةِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ أَرْبَعُونَ، وَإِنْ شِئْت فَانْسُبْ الْمِائَةَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدْهَا خَمْسَةَ أَثْمَانِهَا، فَيُعْطَى صَاحِبُ الْمِائَةِ خَمْسَةَ أَثْمَانِ الْأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَتَنْسُبُ الثَّلَاثِينَ أَيْضًا مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدُهُ ثُمُنًا وَنِصْفَ ثُمُنٍ فَيُعْطَى صَاحِبُ الثَّلَاثِينَ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَنِصْفَ ثُمُنِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ، وَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ ثُمُنُهُ فَيُعْطَى صَاحِبُهُ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَنِسْبَةُ الْعَشَرَةِ نِصْفُ ثُمُنٍ فَيُعْطَى نِصْفَ ثُمُنِ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ.
[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]
(كِتَابُ الْإِقْرَارِ) الْإِقْرَارُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ عَنْ كَائِنٍ سَابِقٍ، وَإِظْهَارٍ لِمَا وَجَبَ بِالْمُعَامَلَةِ السَّابِقَةِ لَا إيجَابٍ وَتَمْلِيكٍ مُبْتَدَأٍ وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ كَاذِبًا، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَحِلُّ لَهُ دِيَانَةً إلَّا إذَا سَلَّمَهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ قَالَ فِي شَاهَانْ: إذَا أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِ زَيْدٍ أَنَّهُ لِعَمْرٍو صَحَّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ سَابِقٍ لَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَكَذَا مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِقْرَارِ الرِّضَا وَالطَّوْعُ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمُكْرَهِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَيْضًا الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ: جَمِيعُ مَالِي، أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْهِبَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّسْلِيمِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقٍّ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ) وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ عَلَى مَوْلَاهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، وَشَرَطَ الْبُلُوغَ، وَالْعَقْلَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ لَا يَصِحُّ أَقْوَالُهُمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ وَقَوْلُهُ بِحَقٍّ أَيْ إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: مَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ، أَوْ مَعْلُومًا) جَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute