لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُعْتَقِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَتَكَفَّلَ عَنْهُ رَجُلٌ لِلْغُرَمَاءِ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) سَوَاءٌ كَانَ ابْنَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْمَالَ ثُمَّ كَفَلَ عَنْهُ إنْسَانٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا مَاتَ فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ قَالُوا نَعَمْ عَلَيْهِ دِينَارَانِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَقَالَ الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ مَضْجَعَهُ» قُلْنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَكَفَّلَ بِهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]
[أَرْكَانُ الْحَوَالَةِ]
(كِتَابُ الْحَوَالَةِ)
الْحَوَالَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحْوِيلِ وَالنَّقْلِ وَهُوَ نَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْوِيلِ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَثُّقِ بِهِ وَيُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَسْمَاءٍ أَرْبَعَةٍ الْمُحِيلِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْأَصْلِيُّ وَالْمُحَالِ لَهُ وَهُوَ الطَّالِبُ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي قَبِلَ الْحَوَالَةَ وَالْمُحَالِ بِهِ وَهُوَ الْمَالُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْحَوَالَةُ جَائِزَةٌ بِالدُّيُونِ) قَيَّدَ بِالدُّيُونِ احْتِرَازًا عَنْ الْأَعْيَانِ وَالْحُقُوقِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ بِهَا لَا تَصِحُّ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِالدُّيُونِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ هِيَ الَّتِي تَنْتَقِلُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَكُلُّ دَيْنٍ لَا تَجُوزُ بِهِ الْكَفَالَةُ كَمَالِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَجُوزُ بِهِ وَلَا تَجُوزُ بِهِ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَالْمُطْلَقَةُ أَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ احْتَلْ لِهَذَا عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَقُولُ احْتَلْت وَالْمُقَيَّدَةُ أَنْ يَقُولَ احْتَلْ بِالْأَلْفِ الَّتِي لِي عَلَيْك فَيَقُولُ احْتَلْت وَكِلَاهُمَا جَائِزَانِ وَفِي كِلَيْهِمَا يَبْرَأُ الْمُحِيلُ مِنْ دَيْنِ الْمُحَالِ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمُحِيلِ سَبِيلٌ إلَّا أَنْ يَتْوَى مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَكِنْ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً انْقَطَعَتْ مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ.
فَإِنْ بَطَلَ الدَّيْنُ فِي الْمُقَيَّدَةِ أَوْ تَبَيَّنَ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا بِأَلْفٍ وَلَمْ يُؤَدِّ الْأَلْفَ حَتَّى أَحَالَ بِهَا لِرَجُلٍ عَلَيْهِ فَقَبِلَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَظَهَرَ حُرًّا فَإِنَّ الْحَوَالَةَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَبْطُلُ وَكَانَ لِلْمُحَالِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَيْنِهِ، وَكَذَا لَوْ قَيَّدَ الْحَوَالَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ الْأَلْفُ عِنْدَ الْمُودَعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُحَالِ لَهُ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَبْطُلُ. وَأَمَّا إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ بِأَمْرٍ عَارِضٍ وَلَمْ تَتَبَيَّنْ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْأَصِيلِ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ مِثْلُ أَنْ يَحْتَالَ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَهَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْهُ وَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ وَلَكِنَّهُ إذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَلَا تَنْقَطِعُ فِيهَا مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ عَنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ فَإِذَا أَدَّى سَقَطَ مَا عَلَيْهِ قِصَاصًا، وَلَوْ تَبَيَّنَ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ لَا تَبْطُلُ أَيْضًا، وَلَوْ أَنَّ الْمُحَالَ لَهُ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ سَوَاءٌ قَبِلَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إسْقَاطٌ وَلَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ فَلِهَذَا لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا لَوْ أَدَّى؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْهِبَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْأَدَاءِ.
وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُحَالُ لَهُ وَوَرِثَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْأَدَاءِ، وَلَوْ رَضِيَ الْمُحَالُ لَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِدُونِ حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْبَاقِي نَحْوَ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْبَاقِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَنْ الْمُحِيلِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لَا غَيْرُ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ أَوْ عَلَى الْعُرُوضِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute