للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ فَتُقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ) كَمَا «صَالَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ» وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَجِزْيَةٌ يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ بِوَضْعِهَا إذَا غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَيَضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ الظَّاهِرِ الْغِنَى فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَأْخُذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ) وَالظَّاهِرُ الْغِنَاءِ هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ عَشْرَةَ آلَافٍ ثُمَّ إذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ غَنِيًّا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِهَا فَقِيرًا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفُقَرَاءِ وَمَنْ مَرِضَ أَكْثَرَ السَّنَةِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ جِزْيَةٌ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ فَهُوَ كَالزَّمِنِ وَكَذَا إذَا مَرِضَ نِصْفَ السَّنَةِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ وَالْمُسْقِطَ تَسَاوَيَا فِيمَا طَرِيقُهُ الْعُقُوبَةُ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْمُسْقِطِ كَالْحُدُودِ فَإِنْ صَحَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ الْحَالِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ) الْمُتَوَسِّطِ الْحَالِ الَّذِي لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْعَمَلِ وَقِيلَ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا قَوْلُهُ (وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كُلٍّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ) الْمُعْتَمِلُ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْحِرْفَةَ أَصْلًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَمِلُ صَحِيحًا وَيُكْتَفَى بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَمِلٍ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا

قَوْلُهُ (وَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِيِّ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ وَلَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَا عَلَى الْمُرْتَدِّينَ) لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَإِنَّهُ كَفَرَ بَعْدَ مَا هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ بِالرِّقِّ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ

قَوْلُهُ (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقِتَالِ أَوْ الْقَتْلِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتِلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ قَوْلُهُ (وَلَا عَلَى زَمِنٍ وَلَا عَلَى أَعْمًى) وَكَذَا الْمَفْلُوجُ وَلَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ لِمَا بَيَّنَّا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُمْ رَأْيٌ وَلَنَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَأَشْبَهُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ.

(قَوْلُهُ وَلَا عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) وَكَذَا لَا تُوضَعُ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ قَوْلُهُ (وَلَا عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ أَمَّا إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ فَعَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ فِيهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>