الْوَلَدِ وَعِنْدَنَا لَمْ تُوجَدْ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَالْغَصْبُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْمَغْرَمُ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ فَحُكْمُهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ وَالْغَصْبُ مُحَرَّمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: ١٠] الْآيَةَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ وَمَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ) ، وَهَذَا فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ فَإِنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فِي حِينِهِ وَأَوَانِهِ وَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ آخِرَ مَا انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ فَلَمَّا انْقَطَعَ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ وَصَارَ كَأَنَّهُ غَصَبَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ أَصْلُهُ إذَا غَصَبَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِثْلَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ حَتَّى وُجِدَ الْمِثْلُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمِثْلِ إلَى الْقِيمَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فَوَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا أَحْضَرَ الْغَاصِبُ الْمِثْلَ فِي حَالِ الِانْقِطَاعِ وَتَكَلَّفَ ذَلِكَ أُجْبِرَ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهِ. وَأَمَّا إذَا غَصَبَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ إجْمَاعًا قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) يَعْنِي يَوْمَ الْغَصْبِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ وَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَفِي الْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ فِي عَيْنِ مَالِهِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الظُّلَامَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَإِذَا دَفَعَ بَدَلَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَهِيَ ظُلَامَةٌ أُخْرَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ ثُمَّ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْقِيمَةِ فَعَلَيْهِ رَدُّ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى زِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي السِّعْرِ وَلَا إلَى نُقْصَانِهَا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ.
قَوْلُهُ (وَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ) يَعْنِي مَا دَامَتْ قَائِمَةً وَهُوَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصُ خَلَفًا وَقِيلَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَفَائِدَتُهُ فِي الْبَرَاءَةِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ بِالْمَغْصُوبِ فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ يَعْنِي إذَا أَبْرَأَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ مِنْ ضَمَانِ الْعَيْنِ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ مَنْ قَالَ الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَيْنِ، وَكَذَا الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ وَعَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا فِيمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَلَهُ أَلْفٌ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ أَلْفٌ؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ وَالْوَاجِبُ الرَّدُّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ لِتَفَاوُتِ الْقِيمَةِ بِتَفَاوُتِ الْأَمَاكِنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهَا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لَأَظْهَرَهَا ثُمَّ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا) ، وَإِنَّمَا حَبَسَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى هَلَاكِهَا أَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً فِي بَدَنِهَا يَوْمَ غَصَبَهَا فَرَدَّهَا نَاقِصَةً ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَإِنْ كَانَتْ يَوْمَ غَصَبَهَا زَائِدَةً فِي السِّعْرِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصَبَهَا مِائَتَيْنِ فَرَدَّهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي السِّعْرِ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي الْعَيْنِ وَالنُّقْصَانُ فِي السِّعْرِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فُتُورٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ فَيَزْهَدُونَ فِي شِرَاءِ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ فَإِنْ غَصَبَهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً فَزَادَتْ فِي بَدَنِهَا حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ ثُمَّ نَقَصَتْ فِي الْبَدَنِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْقَبْضُ فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute