للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يَجْتَمِعُوا فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا لَمْ يَقْتُلْ الْقَاتِلَ حَتَّى يَحْضُرُوا جَمِيعًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ قَدْ عَفَا وَلَيْسَ لِلْغَائِبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ اسْتَوْفَى مَعَ غَيْبَتِهِ اسْتَوْفَاهُ مَعَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَفَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَفَا لَأَظْهَرَ الْعَفْوَ وَمَنْ عَفَا مِنْ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقِصَاصِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ أَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ امْرَأَةً فَعَفَا زَوْجُهَا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ لِأَنَّ الدَّمَ مَوْرُوثٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا اُقْتُصَّ مِنْ جَمِيعِهِمْ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةَ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَحَضَرَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ قُتِلَ بِجَمَاعَتِهِمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قُتِلَ لَهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَبَعَّضُ فَإِذَا قُتِلَ بِجَمَاعَةٍ صَارَ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَتَلَهُ عَلَى الِانْفِرَادِ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَمَاتَ سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْيَدَ تَتَبَعَّضُ فَيَصِيرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آخِذًا لِبَعْضِهَا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِخِلَافِ النَّفْسِ لِأَنَّ الْإِزْهَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ (. قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) يَعْنِي نِصْفَ دِيَةِ جَمِيعِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ دِيَةَ الْيَدِ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا إذَا جَنَى رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْوَاحِدِ فِيهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ قَلَعَا سِنَّهُ أَوْ قَطَعَا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَعَلَيْهِمَا الْأَرْشُ نِصْفَانِ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ هَذَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ الْأَرْشُ عَلَى عَدَدِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِينَ وَإِنْ كَثُرُوا.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَطَعَ وَاحِدٌ يُمْنًى رَجُلَيْنِ فَحَضَرَا فَلَهُمَا أَنْ يَقْطَعَا يَمِينَهُ وَيَأْخُذَا مِنْهُ نِصْفَ الدِّيَةِ يَقْتَسِمَانِهَا نِصْفَيْنِ) يَعْنِي يَأْخُذَانِ مِنْهُ دِيَةَ يَدٍ وَاحِدَةٍ يَقْتَسِمَانِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ وَبَقِيَ لَهُ الْبَعْضُ فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ إلَى الْأَرْشِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَطَعَ يَدَهُ وَلِلْآخِرِ عَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةٍ) يَعْنِي نِصْفَ دِيَةِ جَمِيعِ الْإِنْسَانِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ قَطْعُ يَدِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الْيَدِ وَإِنَّمَا سَقَطَ حَقُّهُ عَنْ بَعْضِهَا بِالْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا غَابَ الْآخَرُ فَلَا مُزَاحَمَةَ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَلَا يَلْزَمُهُ انْتِظَارُ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُ دِيَةُ يَدِهِ وَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَكَانَ لِلثَّانِي أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ يَدُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا تَعَيَّنَ فِيهِ الْقِصَاصُ فَاتَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَالَ اقْطَعُوهُ ثُمَّ اُقْتُلُوهُ وَإِنْ شَاءَ قَالَ اُقْتُلُوهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ مَعْنَاهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُهُ وَسَقَطَ حُكْمُ الْيَدِ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ) .

وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ يُلَاقِي حَقَّ الْمَوْلَى بِالْإِبْطَالِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِنَفْسِهِ فَقِيلَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى وَكَانَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ مِنْهُ السَّهْمُ إلَى آخَرَ فَمَاتَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِلْأَوَّلِ، وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ إحْدَاهُمَا عَمْدٌ وَمُوجَبُهَا الْقِصَاصُ، وَالثَّانِيَةُ خَطَأٌ وَمُوجَبُهَا الدِّيَةُ وَمَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ كَانَ عَلَى الْعَاقِلَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>