اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أُجْرَةِ الْعَوْنِ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْقَاضِي مَعَ الْمُدَّعِي إلَى خَصْمِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ وَكَذَا السَّارِقُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأُجْرَةُ الْقَاطِعِ وَثَمَنُ الدُّهْنِ الَّذِي يَحْسِمُ بِهِ الْعُرُوقَ عَلَى السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا وَهُوَ السَّرِقَةُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا) الْحَوَانِيتُ هِيَ الدَّكَاكِينُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى فَتَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَصَارَتْ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ نَوْعِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْحَدَّادَ، وَالْقَصَّارَ وَالطَّحَّانَ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ جَازَ وَيَعْنِي بِالطَّحَّانِ رَحَى الْمَاءِ وَرَحَى الثَّوْرِ لَا رَحَى الْيَدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُمْنَعُ مِنْ الْكُلِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ رَحَى الْيَدِ يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ مُنِعَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي الْحَلْوَانِيُّ، وَأَمَّا كَسْرُ الْحَطَبِ فَلَا يُمْنَعُ عَنْ كَسْرِ الْمُعْتَادِ مِنْهُ وَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْهُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَلَهُ أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ بِنَفْسِهِ وَيُسْكِنَ غَيْرَهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا فَإِذَا قَبَضَهَا ثُمَّ أَجَّرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا أَجَّرَهَا بِمِثْلِ مَا اسْتَأْجَرَهَا، أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ أَجَّرَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا جَازَ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى لَا يَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهَا طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ فَإِنْ كَانَ زَادَ فِي الدَّارِ شَيْئًا كَمَا لَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ طَيَّنَهَا، أَوْ أَصْلَحَ أَبْوَابَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْ حِيطَانِهَا طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ، وَأَمَّا الْكَنْسُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ زِيَادَةً وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مَنْ شَاءَ إلَّا الْحَدَّادَ، وَالْقَصَّارَ وَالطَّحَّانَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْقُولًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُولٍ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْقُولًا لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ وَأَرَادَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ، وَإِذَا أَجَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ، أَوْ الْأَرْضَ مِمَّنْ آجَرَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، ثُمَّ إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِالشِّرْبِ وَالسُّلُوكِ إلَيْهَا فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَاهَا وَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، أَوْ الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ رِيِّهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَادَةً لِلرِّيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَزْرَعُ بِهِ بَعْضَهَا فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْقُضْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا، أَوْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ) يَعْنِي أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ مَا لَمْ يَزْرَعْهَا أَمَّا لَوْ زَرَعَهَا وَمَضَتْ الْإِجَارَةُ صَحَّتْ وَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَحَمَلَ عَلَيْهَا حَمْلًا مُتَعَارَفًا فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِنَّ لَهُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ عَطِبَتْ فِي الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَا قَالَ عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَ فَإِنْ زَرَعَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا قَبْلَ الْفَسْخِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَشَاءُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السَّاحَةَ لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا، أَوْ شَجَرًا فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَهُ قَلْعُ ذَلِكَ وَيُسَلِّمُهَا فَارِغَةً) لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِيهَا زَرْعٌ فَإِنَّهَا تَبْقَى بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُمْكِنُ تَوْفِيَةُ الْحَقَّيْنِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْغَرْسِ وَالشَّجَرِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِيهَا ثَمَرٌ فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute