يُبَاشِرُ الْقُرْآنَ بِعُضْوٍ يَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقِرَاءَةُ حَالَةَ الْوَطْءِ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ وَمَا دُونَهَا سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَجُوزُ لَهُمْ مَا دُونَ الْآيَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالُوا إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِمَا دُونَ الْآيَةِ الْقِرَاءَةَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ الشُّكْرَ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ عِنْدَ الْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ، قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَا يَجُوزُ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ إذَا كَانَ مُبَاشِرَ اللَّوْحِ وَالْبَيَاضِ وَإِنْ وَضَعَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَكَتَبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَكْتُوبِ لَا بَأْسَ بِهِ وَأَمَّا التَّهَجِّي بِالْقُرْآنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا كَانَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ مُعَلِّمَةً جَازَ لَهَا أَنْ تُلَقِّنَ الصِّبْيَانَ كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعَ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَلَا تُلَقِّنُهُمْ آيَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى التَّعْلِيمِ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ حَدَثِهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ حَدَثِهِ وَلَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يُسَبِّحُوا اللَّهَ وَيُهَلِّلُوهُ.
(قَوْلُهُ) : (وَلَا يَجُوزُ لِمُحْدِثٍ مَسُّ الْمُصْحَفِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وَالْجُنُبَ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقِرَاءَةِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْمَسِّ فَإِذَا لَمْ تَجُزْ لَهُمْ الْقِرَاءَةُ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ لَهُمْ الْمَسُّ أَوْلَى الْفَرْقُ فِي الْمُحْدِثِ بَيْنَ الْمَسِّ وَالْقِرَاءَةِ أَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ الْيَدَ دُونَ الْفَمِ وَالْجَنَابَةُ حَلَّتْ الْيَدَ وَالْفَمَ أَلَا تَرَى أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ وَالْفَمِ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضَانِ وَفِي الْحَدَثِ إنَّمَا يُفْرَضُ غَسْلُ الْيَدِ دُونَ الْفَمِ
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ بِغِلَافِهِ أَوْ بِعَلَّاقَتِهِ) وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُتَجَافِيًا عَنْهُ أَيْ مُتَبَاعِدًا بِأَنْ يَكُونَ شَيْئًا ثَالِثًا بَيْنَ الْمَاسِّ وَالْمَمْسُوسِ كَالْجِرَابِ وَالْخَرِيطَةِ دُونَ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ كَالْجِلْدِ الْمُشَرَّزِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ الْإِسْبِيجَابِيِّ الْغِلَافُ هُوَ الْجِلْدُ الْمُتَّصِلُ بِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُحْدِثِ الْمَسُّ فَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُ أَصَابِعِهِ عَلَى الْوَرَقِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ عِنْدَ التَّقْلِيبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّ شَيْءٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ لَوْحٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا كَانَ آيَةً تَامَّةً وَكَذَا كُتُبُ التَّفْسِيرِ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْقُرْآنِ مِنْهَا وَلَهُ أَنْ يَمَسَّ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ تَبَعٌ لَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَحْدَاثَ ثَلَاثَةٌ حَدَثٌ صَغِيرٌ وَحَدَثٌ وَسَطٌ وَحَدَثٌ كَبِيرٌ فَالصَّغِيرُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ لَا غَيْرُ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْقَيْءِ إذَا مَلَأَ الْفَمَ وَخُرُوجُ الدَّمِ وَالْقَيْحِ مِنْ الْبَدَنِ إذَا تَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَالْحَدَثُ الْوَسَطُ هُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَدَثُ الْكَبِيرُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَتَأْثِيرُ الْحَدَثِ الصَّغِيرِ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَكَرَاهَةِ الطَّوَافِ، وَالْحَدَثُ الْأَوْسَطُ تَأْثِيرُهُ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْحَدَثِ الْكَبِيرِ تَأْثِيرُهُ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَكَرَاهَةِ الطَّلَاقِ وَلَا يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ النَّظَرُ إلَى الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَحِلُّ الْعَيْنَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا فَإِنْ قُلْت فَلَوْ تَمَضْمَضَ الْجُنُبُ فَقَدْ ارْتَفَعَ حَدَثُ الْفَمِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ لَهُ التِّلَاوَةُ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ وَكَذَا إذَا غَسَلَ الْمُحْدِثُ يَدَيْهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمَسُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ) لِأَنَّ الدَّمَ يَدُرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ تَارَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ، وَقَوْلُهُ كَامِلَةً يُحْتَرَزُ عَمَّا إذَا انْقَطَعَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ كَصَلَاةِ الضُّحَى وَالْعِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَطْءُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَهَذَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ لِعَادَتِهَا أَمَّا إذَا كَانَ لِدُونِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا انْقَطَعَ دُونَ عَادَتِهَا فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي آخِرِ حَيْضَةٍ مِنْ عِدَّتِهَا بَطَلَتْ الرَّجْعَةُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا فَيُؤْخَذُ لَهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالِاحْتِيَاطِ.
وَفِي النِّهَايَةِ إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَانْقَطَعَ الدَّمُ عَلَى الْعَادَةِ أَخَّرَتْ الْغُسْلَ إلَى الْوَقْتِ وَتَأْخِيرُهُ هُنَا اسْتِحْبَابٌ لَا إيجَابٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute