وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَجُوزُ أَيْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا وَقَعَتْ جَائِزَةً لَكِنْ غَيْرَ مُثْبِتَةٍ لِلْمِلْكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا مَحُوزَةً فَإِنَّهُ لَوْ قَسَّمَهَا وَسَلَّمَهَا مَقْسُومَةً صَحَّتْ قَوْلُهُ (وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِي مَا لَا يُقْسَمُ جَائِزَةٌ) كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَوْ رَهَنَ مُشَاعًا لَا يَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ وُهِبَ شِقْصًا مُشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ يُحْتَاجُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى أُصُولٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَبَيْنَ مَا لَا يَحْتَمِلُهَا وَالثَّانِي الشُّيُوعُ الْمُفْسِدُ هَلْ هُوَ الْمُقَارِنُ أَوْ الطَّارِئُ وَالثَّالِثُ بَيَانُ الْعِبْرَةِ فِي الشُّيُوعِ هَلْ هُوَ لِوَقْتِ الْقَبْضِ أَوْ لِوَقْتِ الْهِبَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ إذَا وُهِبَ لَهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ أَوْ نِصْفَ مِثْقَالٍ صَحِيحٍ يَجُوزُ هُوَ الصَّحِيحُ وَجُعِلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مُشَاعٍ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَهُ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّتِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُفْسِدُ هُوَ الشُّيُوعُ الْمُقَارِنُ دُونَ الطَّارِئِ حَتَّى إنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً ثُمَّ رَجَعَ فِي بَعْضِهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَذَا فِي شَاهَانْ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا وَهَبَ لَهُ دَارًا فَقَبَضَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الشُّيُوعِ لِوَقْتِ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ لَهُ نِصْفَ دَارٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَسَلَّمَ جَازَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» فَيُشْتَرَطُ كَمَالُ الْقَبْضِ وَالْمُشَاعُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْهُوبٍ وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَهُ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ الْقِسْمَةُ.
وَقَوْلُهُ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ أَيْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فَلَوْ أَنَّهُ وَهَبَ مُشَاعًا فِيمَا يُقْسَمُ وَسَلَّمَهُ عَلَى الْفَسَادِ هَلْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَيَقَعُ مَضْمُونًا كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمْ لَا؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَيَجِبُ الضَّمَانُ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ، وَلَوْ وَهَبَ شَيْئًا مُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْفَصْلُ وَالتَّمْيِيزُ، وَالْقَبْضُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ حِينَئِذٍ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا مِثْلُ أَنْ يَهَبَ ثَمَرًا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ فَإِنْ مَيَّزَهُ وَفَصَلَهُ وَأَقْبَضَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ فَإِنْ فَصَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ كَانَ الْفَصْلُ وَالْقَبْضُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْأَشْجَارَ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ الزَّرْعَ دُونَ الْأَرْضِ، وَلَوْ وَهَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ لِلْوَاهِبِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَيْهِ أَوْ سَلَّمَهَا مَعَ الْمَتَاعِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَشْغُولَةٌ بِالْمَتَاعِ وَالْفَرَاغُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّسْلِيمِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُودِعَ الْمَتَاعَ أَوَّلًا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثُمَّ يُسَلِّمَ الدَّارَ إلَيْهِ فَيَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعٍ هُوَ فِي يَدِهِ وَبِعَكْسِهِ لَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ دُونَ الدَّارِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ جَمِيعًا وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا صَحَّ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ وَهَبَ أَحَدَهُمَا وَسَلَّمَ ثُمَّ وَهَبَ الْآخَرَ وَسَلَّمَ إنْ قَدَّمَ هِبَةَ الدَّارِ فَالْهِبَةُ فِيهَا لَا تَصِحُّ وَفِي الْمَتَاعِ تَصِحُّ، وَإِنْ قَدَّمَ هِبَةَ الْمَتَاعِ صَحَّ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الدَّارَ وَقْتَ تَسْلِيمِهَا كَانَتْ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يَمْنَعُ الْقَبْضَ.
قَوْلُهُ (وَلَوْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ طَحَنَ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ فَوَقَعَ الْعَقْدُ بَاطِلًا فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ بِخِلَافِ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ وَبَيْعُ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ، وَالدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَذَا هِبَتُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهِبَةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ فِي الْأَرْضِ وَالثَّمَرِ فِي النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ كَالشَّائِعِ فَإِنْ أَذِنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْقَطْعِ وَالْقَبْضِ جَازَ وَجَعَلَ فِي الْكَرْخِيِّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ هِبَةِ الدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ قَالَ فِيهِ، وَلَوْ وَهَبَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ أَوْ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِهِ أَوْ مَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ أَوْ عِنْدَ اسْتِخْرَاجِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هِبَةُ الْمُشَاعِ إذَا قُسِّمَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ حَتَّى يَجُوزُ بَيْعُهُ.
قَوْلُهُ (، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَلَكَهَا بِالْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فِيهَا قَبْضًا) ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضِهِ وَالْقَبْضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute