مَلَكَهَا بِالطَّحْنِ فَبَانَ أَنَّهُ أُطْعِمَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الْكَبِيرِ مَنْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ الْمَالِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِمَهُ بَرِئَ مِنْهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ حَقِيقَةً فَإِنَّ عَيْنَ مَالِهِ وَصَلَ إلَيْهِ فَجَهْلُهُ بِهِ لَا يُبْطِلُ قَبْضَهُ لَهُ أَيْ جَهْلُهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يُبْطِلُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا، فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا وَأَشَارَ إلَى الْمَبِيعِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدُهُ صَحَّ إعْتَاقُهُ وَيُجْعَلُ قَبْضًا وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ وَجَهْلُهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ مَا وُجِدَ مِنْهُ كَذَا هَذَا،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَدَاءٍ مَأْمُورٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ وَالشَّرْعُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْغُرُورِ فَبَطَلَ الْأَدَاءُ نَفْيًا لِلْغُرُورِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ فِي حَقِّهِمْ كَالشَّاةِ لَنَا وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَتَدَيَّنُونَ وَالسَّيْفُ مَوْضُوعٌ فَتَعَذَّرَ الْإِلْزَامُ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يَجِبُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُمَا مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ لَمْ يَضْمَنْ) ، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُمَا ذِمِّيٌّ لِمُسْلِمٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَلَوْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرَ الْمُسْلِمِ فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ أَوْ خَلَّلَهَا الْغَاصِبُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فَإِنْ هَلَكَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَمَا صَارَتْ خَلًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ مِثْلَهَا خَلًّا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةُ وَاسْتَهْلَكَهُ لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَإِنْ هَلَكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ وَالْغَصْبُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ. وَأَمَّا إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَهَلَكَ بَعْدَ الدِّبَاغِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ صَارَ مَالًا وَهُوَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالَةِ هَلَاكِ الْجِلْدِ أَمَّا حَالُ وُجُودِهِ فَنَقُولُ إذَا غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ مَالًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَالَ بِالشَّمْسِ وَالتُّرَابِ وَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَغْرَمَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ صَارَ مَالًا بِمَالِ الْغَاصِبِ وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنَ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَخَذَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهَا أَمَّا إذَا أَلْقَاهَا الْمَالِكُ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ فَدَبَغَهُ فَقَدْ قِيلَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إلْقَاءَ الْمَيْتَةِ فِي الطَّرِيقِ إبَاحَةٌ لِأَخْذِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرُّجُوعُ وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ.
(مَسَائِلُ شَتَّى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ غَصَبَ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ الرِّبْحِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا الْمُودَعُ عَلَى هَذَا وَمَنْ كَسَرَ لِمُسْلِمٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا أَوْ مِزْمَارًا أَوْ دُفًّا فَهُوَ ضَامِنٌ وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ فَبَطَلَ تَقْوِيمُهَا كَالْخَمْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَمْوَالٌ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ صَلُحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ فَصَارَ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَتَجِبُ قِيمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلَّهْوِ وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْمُدَبَّرَةِ مُتَقَوِّمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَلِلْوَرَثَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مِنْهَا إلَّا الْمَنَافِعَ لَا غَيْرُ بِدَلَالَةِ أَنَّهَا لَا تَسْعَى بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَالٍ وَأَنَّهَا حُرَّةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْمَنَافِعُ إذَا تَلِفَتْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَلَوْ غَصَبَ صَبِيًّا فَمَرِضَ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ وَلَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ عَقَرَهُ سَبُعٌ فَقَتَلَهُ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ خَطَأً فَإِنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَتَّبِعُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا بِالدِّيَةِ فَإِنْ اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ اتَّبَعُوا الْقَاتِلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ وَكُلُّ هَذَا الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute