للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُلَازَمَةُ بَيْتِهِ وَلَا اسْتِصْحَابُ الْوَدِيعَةِ فِي خُرُوجِهِ وَاَلَّذِي فِي عِيَالِهِ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ مَعَهُ وَيُجْرِي عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ وَعَبْدِهِ وَفِي الْفَتَاوَى هُوَ مَنْ يُسَاكِنُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفَقَتِهِ أَوْ لَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَجِيرِ أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا مُشَاهَرَةً وَطَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ أَجِيرًا مُيَاوَمَةً وَيُعْطِيهِ نَفَقَتَهُ دَرَاهِمَ فَلَيْسَ هُوَ فِي عِيَالِهِ فَيَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى شَرِيكِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ أَوْ إلَى عَبْدٍ لَهُ مَأْذُونٍ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَحْفَظُونَ أَمْوَالَهُ فَيَدُهُمْ كَيَدِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَوْدَعَهَا ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ إيدَاعٌ إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحِرْزَ فَيَكُونُ حَافِظًا بِحِرْزِ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ يَعْنِي بِأُجْرَةٍ.

وَقَوْلُهُ أَوْ أَوْدَعَهَا يَعْنِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنْ أَوْدَعَهَا فَضَاعَتْ فِي يَدِ الثَّانِي فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَظَهَرَ أَنَّهُ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ لَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُتَعَدِّيًا بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّانِي مُتَعَدِّيًا بِالْقَبْضِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَبْضَ الثَّانِي قَبْضُ الْأَوَّلِ وَإِذَا تَعَلَّقَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ بِهَذَا الْقَبْضِ لَمْ يَجِبْ بِهِ ضَمَانٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الثَّانِي ضَمِنَ إجْمَاعًا وَيَكُونُ صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ مُودِعَ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَبْضَيْنِ مَضْمُونَيْنِ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُودَعِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَ وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَكَذَا إذَا غَصَبَ مِنْ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ آخَرُ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ حَاصِلُ الضَّمَانِ عَلَى الثَّانِي.

وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ أَوْ أَعَارَهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَبْضَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَالْمُسْتَعِيرَ يَقْبِضَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَبْضِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ضَمِنَهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إنْ قَبَضَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ أَيْضًا إجْمَاعًا، وَإِنْ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ أَوْدَعَهُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ ضَمِنَ إجْمَاعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ عَادَتِهِ تَضْيِيعُ الْأَمْوَالِ فَإِذَا سَلَّمَ إلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَذِهِ الْعَادَةِ فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِإِتْلَافِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَضْمِينُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الصِّبْيَانِ فَيَضْمَنُهُ وَتَكُونُ قِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنْ أَوْدَعَ عِنْدَ عَبْدٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إنْ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا وَقَبَضَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ضَمِنَهَا إجْمَاعًا وَتَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَى بَعْدِ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا وَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَضْمَنْهَا فِي الْحَالِ وَيَضْمَنُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُهَا فِي الْحَالِ وَيُبَاعُ فِيهَا قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَيُسَلِّمَهَا إلَى جَارِهِ أَوْ تَكُونَ فِي سَفِينَةِ فَخَافَ الْغَرَقَ فَيَنْقُلُهَا إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْحِفْظِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَرْتَضِيهِ الْمَالِكُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَرُورَةَ مُسْقِطِهِ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي الْإِيدَاعِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إذَا وَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى بَعْضِ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ وَشَرَطَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي الْحَرِيقِ الْغَالِبِ أَنْ يُحِيطَ الْوَدِيعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ضَمِنَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى.

قَوْلُهُ (فَإِنْ خَلَطَهَا الْمُودَعُ بِمَالِهِ حَتَّى صَارَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>