للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُغَلَّظَةِ كَالدَّمِ وَالْغَائِطِ إلَى آخِرِهِ) الْمُغَلَّظَةُ مَا وَرَدَ بِنَجَاسَتِهَا نَصٌّ وَلَمْ يَرِدْ بِطَهَارَتِهَا نَصٌّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ أَمْ لَا وَعِنْدَهُمَا مَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي طَهَارَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ وَفَائِدَتُهُ فِي الْأَرْوَاثِ فَإِنَّ «قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الرَّوْثِ إنَّهُ رِجْسٌ» لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ فَيَكُونُ عِنْدَهُ مُغَلَّظًا وَقَالَا هُوَ مُخَفَّفٌ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ خَفَّ حُكْمُهُ

(قَوْلُهُ: كَالدَّمِ) يَعْنِي الْمَسْفُوحَ أَمَّا الَّذِي يَبْقَى فِي اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّكَاةِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الْأَكْلِ، وَلَوْ احْمَرَّتْ مِنْهُ الْقِدْرُ، وَلَيْسَ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي الْأَكْلِ وَيُمْكِنُ فِي غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ دَمُ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ طَاهِرٌ حَتَّى لَوْ طُلِيَ بِهِ الْخُفُّ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَثُرَ وَكَذَا دَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْكَتَّانِ وَالْقُمَّلِ وَالْبَقِّ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ وَدَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ أَكْلُهُ بِدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ بِدَمِهِ لَا يُذَكَّى، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أُبِيحَ أَكْلُهُ إلَّا بَعْدَ سَفْحِهِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَالدِّمَاءُ تَسْوَدُّ بِهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ نَجِسٌ، وَأَمَّا دَمُ الْحَلَمِ وَالْأَوْزَاغِ فَهُوَ نَجِسٌ إجْمَاعًا وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْ مَا دَامَ عَلَيْهِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلِهَذَا لَا يُغْسَلُ عَنْهُ فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهُ كَانَ نَجِسًا حَتَّى إذَا أَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ نَجَّسَهُ وَالدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْخَارِجَةُ مِنْ الْجُرْحِ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ طَاهِرٌ

(قَوْلُهُ: وَالْغَائِطُ وَالْبَوْلُ) قَالَ الْحَسَنُ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يُوجِبُ خُرُوجُهُ الْوُضُوءَ وَالِاغْتِسَالَ فَهُوَ نَجِسٌ فَعَلَى هَذَا الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ وَالْمَنِيُّ وَالْوَدْيُ وَالْمَذْيُ وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ نَجِسٌ وَكَذَا الْقَيْءُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ نَجِسٌ، وَأَمَّا رُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَسَائِرِ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ وَعِنْدَهُمَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ، وَمِنْ الْمُغَلَّظَةِ أَيْضًا خَرْءُ الْكَلْبِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ جَمِيعِ السِّبَاعِ وَأَبْوَالُهَا وَخَرْءُ السِّنَّوْرِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ الْفَأْرِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَاخْتَلَفُوا فِي خَرْءِ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالْغُرَابِ وَالْحَدَأَةِ وَالْبَازِي وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُغَلَّظٌ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ فَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا خَرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَطَاهِرٌ عِنْدَنَا كَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَجَنَّبُونَ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَجَنَّبُوهُ الْمَسَاجِدَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ

(قَوْلُهُ: مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ) يَعْنِي الْمِثْقَالَ الَّذِي وَزْنُهُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا ثُمَّ قِيلَ الْمُعْتَبَرُ بَسْطُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ، وَقِيلَ وَزْنُهُ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَسْطَ فِي الرَّقِيقِ وَالْوَزْنَ فِي الثَّخِينِ

(قَوْلُهُ: جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ) وَهَلْ يُكْرَهُ إنْ كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ يُكْرَهُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَتْ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَغْسِلَ ثَوْبَهُ وَيَسْتَقْبِلَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ إنْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ وَيَجِدُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يَجِدُ جَمَاعَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ مُخَفَّفَةٌ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) الْمُخَفَّفَةُ مَا وَرَدَ بِنَجَاسَتِهَا نَصٌّ وَبِطَهَارَتِهَا نَصٌّ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَدَ بِنَجَاسَتِهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا الْأَبْوَالَ» وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَفِيمَا لَا يُؤْكَلُ وَالِاسْتِنْزَاهُ هُوَ التَّبَاعُدُ عَنْ الشَّيْءِ، وَوَرَدَ أَيْضًا فِي طَهَارَتِهِ نَصٌّ وَهُوَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَخَّصَ لِلْعُرَنِيِّينَ فِي شُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا» .

وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَمَرَهُمْ بِشُرْبِهِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ حَرَامٌ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» وَلَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ الْيَوْمَ وَالْمُحَرَّمُ يُبَاحُ تَنَاوُلُهُ إذَا عُلِمَ حُصُولُ الشِّفَاءِ بِهِ يَقِينًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ مُبَاحٌ بِقَدْرِ سَدِّ الرَّمَقِ لِعِلْمِهِ يَقِينًا بِحُصُولِ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُبُعَ الثَّوْبِ) هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>