غَرَبَتْ الشَّمْسُ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ) وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّفَقِ كَمَا فِي.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي فِي الْأُفُقِ بَعْدَ الْحُمْرَةِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الشَّفَقَ عِبَارَةٌ عَنْ الرِّقَّةِ وَمِنْهُ الشَّفَقَةُ وَهِيَ رِقَّةُ الْقَلْبِ وَالْبَيَاضُ أَرَقُّ مِنْ الْحُمْرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاخْتِيَارُ الْمُبَرَّدِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ مِنْ الْحُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَثْبُتَ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِيَقِينٍ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ الْحُمْرَةُ) وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ
وَلِأَنَّ الْغَوَارِبَ ثَلَاثَةٌ الشَّمْسُ وَالشَّفَقَانِ وَكَذَا الطَّوَالِعُ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا الْفَجْرَانِ وَالشَّمْسُ ثُمَّ الْمُتَعَلِّقُ بِالطَّوَالِعِ مِنْ دُخُولِ الْوَقْتِ وَخُرُوجِهِ هُوَ أَوْسَطُ الطَّوَالِعِ فَكَذَا الْغَوَارِبُ يَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ دُخُولُ الْوَقْتِ وَخُرُوجُهُ بِأَوْسَطِهَا وَهِيَ الْحُمْرَةُ، فَقَوْلُهُمَا أَوْسَعُ لِلنَّاسِ وَقَوْلُهُ أَحْوَطُ.
(قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ إذَا غَابَ الشَّفَقُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُ إذَا غَابَ الْبَيَاضُ وَعِنْدَهُمَا إذَا غَابَتْ الْحُمْرَةُ
(قَوْلُهُ: وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ الثَّانِي) وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا فِي الْقُرْآنِ مُجْمَلَةً فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: ١١٤] يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: ١١٤] يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقَالَ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] أَيْ زَوَالِهَا وَهُوَ الظُّهْرُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧] أَيْ فَصَلُّوا لِلَّهِ {حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: ١٧] يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧] يَعْنِي الْفَجْرَ {وَعَشِيًّا} [الروم: ١٨] يَعْنِي الْعَصْرَ {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٨] يَعْنِي الظُّهْرَ وقَوْله تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} [طه: ١٣٠] يَعْنِي الْفَجْرَ {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: ٣٩] يَعْنِي الْعَصْرَ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [الطور: ٤٩] يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَسُمِّيَتْ الصَّلَاةُ تَسْبِيحًا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّسْبِيحِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَسُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وقَوْله تَعَالَى {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: ٤٩] يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَقَوْلُهُ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: ٤٠] يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ، وَقِيلَ الْوِتْرُ.
(قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ وَقْتِ الْوِتْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقْتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ يَعْنِي إذَا غَابَ الشَّفَقُ إلَّا أَنَّ فِعْلَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى فِعْلِ الْعِشَاءِ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا عِنْدَ التَّذَكُّرِ وَالِاخْتِلَافُ فِي وَقْتِهَا فَرْعُ الِاخْتِلَافِ فِي صِفَتِهَا فَعِنْدَهُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ فَإِذَا كَانَ وَاجِبًا صَارَ مَعَ الْعِشَاءِ كَصَلَاةِ الْوَقْتِ وَالْفَائِتَةِ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَإِذَا كَانَ سُنَّةً شُرِعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَرَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ نَاسِيًا وَصَلَّى الْوِتْرَ بِوُضُوءٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي ثَوْبٍ وَالْوِتْرَ فِي ثَوْبٍ آخَرَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعِشَاءَ نَجِسٌ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ دُونَ الْوِتْرِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ وَاجِبَتَانِ جَمَعَهُمَا وَقْتٌ وَاحِدٌ كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ وَكَالْفَائِتَةِ مَعَ الْوَقْتِيَّةِ إذَا صَلَّى الْفَائِتَةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ نَاسِيًا ثُمَّ الْوَقْتِيَّةَ بِوُضُوءٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْفَائِتَةَ وَلَا يُعِيدُ الْوَقْتِيَّةَ كَذَلِكَ الْوِتْرُ مَعَ الْعِشَاءِ وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالْوِتْرَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ بَعْدَ الْعِشَاءِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَإِذَا أَعَادَ الْعِشَاءَ أَعَادَ مَا هُوَ تَبَعٌ لَهَا كَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ.
وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ أَوْتَرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ مُتَعَمِّدًا أَعَادَهَا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ أَوْتَرَ نَاسِيًا لِلْعِشَاءِ أَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ نَامَ وَقَامَ وَتَوَضَّأَ وَأَوْتَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَعِنْدَهُ لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْعِشَاءِ كَرَكْعَتَيْهَا، وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَرَكْعَتَيْهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادٌ فِي الْعِشَاءِ وَحْدَهَا أَعَادَهَا وَأَعَادَ الرَّكْعَتَيْنِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا تُبْنَى عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ) الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ الْأَوْقَاتِ هُوَ أَوْقَاتُ الْجَوَازِ وَالْآنَ شَرَعَ فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِحْبَابِ