لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْدُمَ نَفْسَهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرُمْت عَلَيْهِ قَالَتْ فَجَعَلْت أُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ حَرُمْت عَلَيْهِ حَرُمْت عَلَيْهِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَقُلْ ذَلِكَ فَوَاَللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عِنْدِي فِي أَمْرِك شَيْءٌ وَإِنْ نَزَلَ فِي أَمْرِك شَيْءٌ بَيَّنْته لَكِ، فَهَتَفَتْ وَبَكَتْ وَجَعَلَتْ تُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَتْ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْكُو إلَيْك شِدَّةَ وَجْدِي وَفَاقَتِي وَوَحْدَتِي وَمَا يَشُقُّ عَلَيَّ مِنْ فِرَاقِهِ وَرَفَعَتْ يَدَهَا إلَى السَّمَاءِ تَدْعُو وَتَتَضَرَّعُ فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ إذْ تَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَحْيُ كَمَا كَانَ يَغْشَاهُ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ يَا خَوْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي زَوْجِك الْقُرْآنَ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: ١] إلَى آخِرِ الْآيَاتِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: ١] أَيْ سَمِيعٌ بِمَنْ يُنَاجِيهِ وَيَتَضَرَّعُ إلَيْهِ بَصِيرٌ بِمَنْ يَشْكُو إلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا عِنْدَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ: إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صَوْمٍ قَالَ: مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا يَجِدُ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ وَهُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا قَالَتْ: وَأَنَا أُعِينُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ افْعَلِي وَاسْتَوْصِي بِهِ خَيْرًا» .
وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً قَالَ لَا فَإِنِّي قَلِيلُ الْمَالِ قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّنِي إذَا لَمْ آكُلْ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَلَّ بَصَرِي وَخِفْت أَنْ تَغْشُوَ عَيْنِي قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا وَاَللَّهِ إلَّا أَنْ تُعِينَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنِّي مُعِينُك بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَدَاعٍ لَك بِالْبَرَكَةِ فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ» .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ حَرُمْت عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا لَمْسُهَا وَلَا تَقْبِيلُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ) يَعْنِي لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا إلَّا بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَلَا بَعْدَ زَوْجٍ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَكَذَا لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَدَعَهُ يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ فَلَزِمَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الْحَرَامِ كَمَا لَزِمَ الرَّجُلَ وَإِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ دَوَاعِيهِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حَرُمْت الدَّوَاعِي لَكَانَ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِحْرَامُ وَالظِّهَارُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ أَوْ الْمُؤَبَّدِ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ كَمَا إذَا ظَاهَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَالْيَوْمِ وَالشُّهُورِ وَالسَّنَةِ فَإِنَّهُ إنْ قَرَبَهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَبَطَلَ الظِّهَارُ وَقَوْلُهُ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَيَقَعُ بِهِ الظِّهَارُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ إلَّا ظِهَارًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا وَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ وَأَقْوَالُهُمَا لَا حُكْمَ لَهَا كَالطَّلَاقِ وَإِذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُظَاهِرُ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَرَفَعَتْهُ امْرَأَتُهُ إلَى الْقَاضِي حَبَسَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ يُطَلِّقَ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى وَلَا يَعُودُ حَتَّى يُكَفِّرَ) ، وَلَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَتَزَوَّجَهَا فَالظِّهَارُ بِحَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا بَعْدَ الرِّدَّةِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ (قَوْلُهُ وَالْعَوْدُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى وَطْئِهَا) يَعْنِي إنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا قَصَدَ وَطْأَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ فَإِذَا رَضِيَ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى وَطْئِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيُجْبَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا فَإِنْ عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ عَزَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَطَأَهَا سَقَطَتْ وَكَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute