رِسْلِك أَيْ عَلَى رِفْقِك
(قَوْلُهُ: وَيَحْدُرُ فِي الْإِقَامَةِ) الْحَدْرُ الْوَصْلُ وَالسُّرْعَةُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ فَإِنْ تَرَسَّلَ فِيهِ أَوْ حَدَرَ فِيهِمَا أَوْ تَرَسَّلَ فِي الْإِقَامَةِ وَحَدَرَ فِي الْأَذَانِ وَيُكْرَهُ التَّغَنِّي فِي الْأَذَانِ وَالتَّطْرِيبُ وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّك فِي اللَّهِ فَقَالَ لَهُ وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَأُبْغِضُك فِي اللَّهِ قَالَ وَلِمَ؟ قَالَ لِأَنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك، وَرُوِيَ أَنَّ مُؤَذِّنًا أَذَّنَ فَطَرَّبَ فِي أَذَانِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا.
(قَوْلُهُ: وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ) أَيْ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِعْلَامُ وَذَلِكَ يُوجَدُ وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ
(قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغَ إلَى الصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا) يَعْنِي الصَّلَاةَ فِي الْيَمِينِ وَالْفَلَاحَ فِي الشِّمَالِ وَهَلْ يُحَوِّلُ قَدَمَيْهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ لَا إلَّا إذَا كَانَ عَلَى مَنَارَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ مِنْ نَوَاحِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُحَوِّلَ قَدَمَيْهِ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَالْمَعْنَى بِالتَّحْوِيلِ إعْلَامُ النَّاسِ وَهُمْ فِي الْأَرْبَعِ الْجِهَاتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ قُدَّامَهُ وَوَرَاءَهُ لَكِنْ تَرَكَ التَّحْوِيلَ إلَى وَرَائِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَمِنْ قُدَّامِهِ قَدْ حَصَلَ الْإِعْلَامُ بِالتَّكْبِيرِ وَالشَّهَادَتَيْنِ وَهَلْ يُحَوِّلُ فِي الْإِقَامَةِ قِيلَ لَا؛ لِأَنَّهَا إعْلَامٌ لِلْحَاضِرِينَ بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ إعْلَامٌ لِلْغَائِبِينَ، وَقِيلَ يُحَوِّلُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مُتَّسِعًا وَيَجْعَلُ الْمُؤَذِّنُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ بِلَالًا فَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَإِنْ تَرَكَهُ لَا يَضُرُّ وَيُؤَذِّنُ قَائِمًا فَإِنْ أَذَّنَ قَاعِدًا أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ يَعْنِي إذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ أَمَّا إذَا أَذَّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ هُنَا الْإِعْلَامَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ فَلَوْ أَذَّنَ الْمُسَافِرُ رَاكِبًا فَلَا بَأْسَ وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ وَيُكْرَهُ لِلْمُؤَذِّنِ طَلَبُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ فَإِنْ عَرَفَ الْقَوْمُ حَاجَتَهُ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طَلَبٍ جَازَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُون الْمُؤَذِّنُ فَاسِقًا فَإِنْ صَلَّوْا بِأَذَانِهِ أَجْزَأَهُمْ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَنِ الْأَذَانِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَهِيَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ وَيُعَادُ أَذَانُ أَرْبَعَةٍ الْمَجْنُونِ وَالْجُنُبِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْأَذَانِ لَا يُعَادُ أَذَانُهُ فَإِنْ أُعِيدَ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَصِحُّ الْأَذَانُ بِالْفَارِسِيَّةِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ أَذَانٌ وَأَشَارَ فِي شَرْحِهِ لِلْكَرْخِيِّ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ.
(قَوْلُهُ: وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْوَادِي إلَى أَنْ أَيْقَظَهُمْ حَرُّ الشَّمْسِ فَلَمَّا انْتَبَهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قُومُوا ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَذَّنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْفَجْرَ»
(قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الثَّانِيَةِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِاسْتِحْضَارِ الْغَائِبِينَ وَالرُّفْقَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِقَامَةُ لِإِعْلَامِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَهُمْ إلَيْهِ مُحْتَاجُونَ وَهَذَا إذَا قَضَاهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا قَضَاهَا فِي مَجَالِسَ يُشْتَرَطُ كِلَاهُمَا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى وُضُوءٍ) فَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ فِي الْأَذَانِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَلَيْسَ بِصَلَاةٍ فَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَذَّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَازَ) لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَهِيَ تَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ فَالْأَذَانُ أَوْلَى لَكِنَّ الْوُضُوءَ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَذِّنُ وَهُوَ جُنُبٌ) فَإِنْ أَذَّنَ أُعِيدَ أَذَانُهُ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ بِالْجَنَابَةِ نَقْصٌ كَبِيرٌ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْوَقْتِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ مِنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا وَيُفَارِقُ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَلْتَفِتُ فِيهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا تَحْرِيمَةَ فِيهِ وَلَا قِرَاءَةَ فَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ مَعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَذِّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا) فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ وَهُوَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ تَجْهِيلٌ، وَأَمَّا فِي الْفَجْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَشْهَدُ لِلْمُؤَذِّنِ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَهُ» وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعَ مُؤَذِّنًا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فَقَالَ أَمَا خَشِيتَ أَنْ يَنْقَطِعَ مُرَيْطَاؤُكَ