حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ نَقَلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ وُجِدَ وَالْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ لِأَدَاءِ فَرْضٍ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كَالصَّائِمَةِ فِي رَمَضَانَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا نَفَقَةَ لَهَا سَوَاءٌ حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ أَوْ لَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لِنَفْسِهَا وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ قَبْلَ النَّقْلَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ حَجَّتْ بِمُحْرِمٍ ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهَا الْمُسْتَحَقَّةُ عَلَيْهِ فَإِنْ جَاوَرَتْ بِمَكَّةَ أَوْ أَقَامَتْ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ إقَامَةً لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَأَمَّا إذَا حَجَّ الزَّوْجُ مَعَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي طَرِيقِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونِ السَّفَرِ وَلَا يَجِبُ الْكِرَى وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ لِلتَّطَوُّعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إجْمَاعًا إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا مِنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا مَرِضَتْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ) ؛ لِأَنَّهَا مُسَلِّمَةٌ لِنَفْسِهَا وَالْمَنْعُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِ نَفَقَتهَا وَلِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ وَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ كَالْحَيْضِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحّ، وَهَذَا حَسَنٌ وَفِي لَفْظِ الْكِتَابُ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ احْتَرَزَ عَمَّا إذَا مَرِضَتْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي الرَّتْقَاءِ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا مَا لَمْ يَنْقُلْهَا فَإِذَا نَقَلَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ كَالْحَائِضِ.
(قَوْلُهُ وَيُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ مُوسِرًا نَفَقَةُ خَادِمِهَا) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يُصْلِحُ طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا وَأَمَّا شَرْطُهُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ مُوسِرًا فَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ الْأَصَحُّ وَعَنْهُ أَيْضًا يُفْرَضُ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ) وَاحِدٌ، هَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ لَهَا خَادِمَانِ فَرَضَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَى خَادِمَيْنِ أَحَدُهُمَا يَخْدُمُهَا فِي مَنْزِلهَا وَالثَّانِي تُرْسِلُهُ إلَى زَوْجِهَا يَطْلُبُ مِنْهُ النَّفَقَةَ وَيَبْتَعْ لَهَا مَا يَصْلُحُ لَهَا وَتُرْسِلُهُ إلَى أَبَوَيْهَا وَيَقْضِي حَوَائِجَهَا وَلَهُمَا أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةُ خَادِمٍ فَكَذَا إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَالْخَادِمُ هُوَ الْمَمْلُوكُ وَقِيلَ أَيُّ خَادِمٍ كَانَ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ مَمْلُوكَةَ الْغَيْرِ، وَالْمَنْكُوحَةُ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ.
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي دَارٍ مُنْفَرِدَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْتَضِرُّ بِمَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيُخَافُ مِنْهُ عَلَى مَتَاعِهَا وَقَدْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُسْكِنَهُ مَعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَقَدْ تَخَافُ مِنْهُ عَلَى مَتَاعِهَا.
(قَوْلُهُ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ وَالِدِيهَا وَوَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَهْلَهَا الدُّخُولَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا الْخَلْوَةَ مَعَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَبِدُخُولِ هَؤُلَاءِ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ وَالِدِيهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي الْأُسْبُوعِ مَرَّةً وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَحَارِمِ التَّقْدِيرُ بِسَنَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا وَكَلَامُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ شَاءُوا) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلِأَنَّ أَهْلَهَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ افْتِقَادِهِمْ وَالْعِلْمِ بِحَالِهَا وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لَهُ اسْتَدِينِي عَلَيْهِ) فَائِدَةُ الْإِذْنِ فِي الِاسْتِدَانَةِ أَنَّهَا تُحِيلُ الْغَرِيمَ عَلَى الزَّوْجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute