وَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا إلَّا إنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَبُ كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْإِنَاثِ إذَا كُنَّ فُقَرَاءَ وَالذُّكُورِ إذَا كَانُوا زُمَنَاءَ أَوْ عُمْيَانًا أَوْ مَجَانِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنْ كَانَ مَالُ الصَّغِيرَةِ غَائِبًا أُمِرَ الْأَبُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِهِ فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرٍ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرْجِعَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ وَإِذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُعْسِرًا وَلَهُ أَبَوَانِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ الْأُمَّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا فَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ أَنْ تُرْضِعَهُ) ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ يَجْرِي مَجْرَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: ٢٣٣] أَيْ بِإِلْزَامِهَا إرْضَاعَهُ مَعَ كَرَاهَتِهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ يُوجَدُ فِي الْمَوْضِعِ مَنْ تُرْضِعُهُ غَيْرُهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ سِوَاهَا فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ فَعَلَى هَذَا لَا أُجْرَةَ لَهَا (قَوْلُهُ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) يَعْنِي إذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا أَرْضَعَتْهُ الظِّئْرُ عِنْدَهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَعُودَ الظِّئْرُ إلَى مَنْزِلِهَا فَلَهَا ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ يَكُونَ الْإِرْضَاعُ فِي بَيْتِ الْأُمِّ لَزِمَهَا الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ قَالَ فِي الْحُسَامِيَّةِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الظِّئْرِ الْإِرْضَاعَ عِنْدَ الْأُمِّ كَانَ لَهَا أَنْ تَحْمِلَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَقُولَ أَخْرِجُوهُ فَتُرْضِعَهُ عِنْدَ فِنَاءِ دَارِ الْأُمِّ ثُمَّ يُدْخَلَ الْوَلَدُ إلَى أُمِّهِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا، وَهِيَ زَوْجَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ لِتُرْضِعَ وَلَدهَا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي الْحُكْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] إلَّا أَنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَإِذَا قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ مُعْتَدَّةً) يَعْنِي مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ وَأَمَّا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْبَائِنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ الرَّجْعِيِّ لِإِرْضَاعِ ابْنِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ سَوَاءٌ أَوُجِدَ غَيْرُهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَاسْتَأْجَرَهَا عَلَى إرْضَاعِهِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْأَبَ إذَا الْتَمَسَ مَنْ يُرْضِعُهُ فَأَرَادَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرْضِعَهُ فَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَقْوَمُ بِهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ أُجْرَةً مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ الْأَبُ لَا أَسْتَأْجِرُهَا وَجَاءَ بِغَيْرِهَا فَرَضِيَتْ الْأُمُّ بِمِثْلِ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ) كَانَتْ أَحَقَّ وَإِنْ الْتَمَسَتْ زِيَادَةً لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: ٢٣٣] أَيْ بِإِلْزَامِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ.
(قَوْلُهُ وَتَجِبُ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى أَبِيهِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ) صُورَتُهُ ذِمِّيٌّ تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute