مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَيَسْتَوِي فِيهِ التَّدْبِيرُ الْمُطْلَقُ، وَالْمُقَيَّدُ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَا إذَا زَالَ مِلْكُ الْمَوْلَى عَنْ الْمُدَبَّرِ بِغَيْرِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِثْلُ أَنْ يَرْتَدَّ وَيَلْحَقَ فَيُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَوْتِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) لِأَنَّ عِتْقَهُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا عَتَقَ ثُلُثُهُ سَعَى فِي ثُلُثَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ عَلَى الْوَلِيِّ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ سَعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِغُرَمَائِهِ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ قُلْنَا لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالدَّيْنُ مَنَعَ الْوَصِيَّةَ إلَّا أَنَّ تَدْبِيرَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ وَمَنْ دَبَّرَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَإِنَّ التَّدْبِيرَ يَتَبَعَّضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْعِتْقِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا فِي الْعِتْقِ عِنْدَهُمَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلِشَرِيكِهِ خَمْسُ خِيَارَاتٍ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ وَيَكُونُ مُدَبَّرًا بَيْنَهُمَا فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَسَعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْبَاقِي إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَخْذِ السِّعَايَةِ حِينَئِذٍ تَبْطُلُ السِّعَايَةُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُدَبَّرُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَيَكُونُ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِأَنَّ الشَّرِيكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ فَلَمَّا ضَمِنَ شَرِيكَهُ قَامَ مَقَامَهُ فِيمَا كَانَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَسَعَى الْعَبْدُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَامِلًا لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ النِّصْفَ كَانَ غَيْرَ مُدَبَّرٍ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِأَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ فَإِذَا أَدَّى السِّعَايَةَ عَتَقَ ذَلِكَ النِّصْفُ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ فَيَسْتَسْعِيَهُ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ كُلُّهُ وَإِذَا مَاتَ الْمُدَبِّرُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ السِّعَايَةَ بَطَلَتْ السِّعَايَةُ وَعَتَقَ ذَلِكَ النِّصْفُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا مَاتَ يَكُونُ نَصِيبُهُ مَوْرُوثًا لِوَرَثَتِهِ وَيَكُونُ لَهُمْ الْخِيَارُ فِي الْعِتْقِ، وَالسِّعَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَبِّرُ عَتَقَ ذَلِكَ النِّصْفُ مِنْ الثُّلُثِ وَلِغَيْرِ الْمُدَبِّرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَبِّرُ مُوسِرًا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلشَّرِيكِ أَرْبَعُ خِيَارَاتٍ وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ إنْ شَاءَ دَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ.
هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا قَدْ صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مُدَبَّرًا بِتَدْبِيرِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَبَعَّضُ فَقَدْ صَارَ جَمِيعُهُ مُدَبَّرًا وَانْتَقَلَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إلَيْهِ فَضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّ ضَمَانَ النَّقْلِ لَا يَخْتَلِفُ الْيَسَارُ، وَالْإِعْسَارُ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِأُمِّهِ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ مِثْلِ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ مِنْ مَرَضِ كَذَا) فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَتَقَ كَمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ) يَعْنِي مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ عَلَى مَوْلَاهُ إنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مَعَ مَوْلَاهُ فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَصِيَّةٌ وَهِيَ لَا تُسَلَّمُ لِلْقَاتِلِ إلَّا أَنَّ فَسْخَ الْعِتْقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَصِحُّ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ ثُمَّ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَجَّلُوا الْقِصَاصَ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَوْفُوا السِّعَايَةَ ثُمَّ قَتَلُوهُ وَلَا يَكُونُ اخْتِيَارُ السِّعَايَةِ مُسْقِطًا لِلْقِصَاصِ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الرِّقِّ لَا عِوَضَ عَنْ الْمَقْتُولِ وَإِنْ قَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً فَالْجِنَايَةُ هَدَرٌ وَكَذَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إلَّا أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَصِيَّةٌ وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ وَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى عَبِيدِ مَوْلَاهُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ كَذَا أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ إذَا قَتَلَ الْآخَرَ عَمْدًا وَهُمَا لِوَاحِدٍ ثَبَتَ لِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى عَبِيدِ مَوْلَاهُ خَطَأً فَهِيَ هَدَرٌ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ عَلَى مُدَبَّرِهِ دَيْنٌ وَكَذَا الْمَوْلَى إذَا جَنَى عَلَى مُدَبَّرِهِ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا قَتَلَتْ مَوْلَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْقَتْلَ مَوْتٌ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ سِعَايَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ عِتْقَهَا لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَتَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا يَعْنِي إذَا قَتَلَتْ مَوْلَاهَا خَطَأً كَانَ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute