إسْقَاطِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ وَبَدَلِهِ فَلَمَّا اخْتَارَ إحْدَاهُمَا كَانَ بَاذِلًا لِمَا اخْتَارَهُ وَلِأَنَّ الْوَاهِبَ لَمَّا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَهَبَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَهَبَ فَإِذَا وَهَبَ كَانَ بَاذِلًا لِمَا وَهَبَ وَلَا كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ بِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثًا فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ فَإِذَا كَرَّرَ عَلَيْهِ الْعَرْضَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ) هَذَا احْتِيَاطٌ فَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً وَاحِدَةً جَازَ وَصُورَةُ الْعَرْضِ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: احْلِفْ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْمَالُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبَى يَقُولُ لَهُ: بَقِيَتْ الثَّالِثَةُ فَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ قَضَيْت عَلَيْك بِالنُّكُولِ فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ قَالُوا: فَإِذَا حَلَفَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ قَضَى بِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ
قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى نِكَاحًا لَمْ يُسْتَحْلَفْ الْمُنْكِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْلِ وَالنِّكَاحُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهُ وَفَائِدَةُ الْيَمِينِ النُّكُولُ فَلِهَذَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ فِيهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِلْقَاضِي: لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ لِأَنَّ هَذَا زَوْجِي وَقَدْ أَنْكَرَ النِّكَاحَ فَلْيُطَلِّقْنِي لِأَتَزَوَّجَ وَالزَّوْجُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِأَنَّهُ بِالطَّلَاقِ يَصِيرُ مُقِرًّا بِالنِّكَاحِ فَمَاذَا يَصْنَعُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: يَقُولُ الْقَاضِي لِلزَّوْجِ: قُلْ لَهَا إنْ كُنْت امْرَأَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا النِّكَاحَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالرِّقِّ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالْحُدُودِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَذْلِ عِنْدَهُ وَهَذَا الْأَشْيَاءُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا قَالَ لَهَا: بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَ فَقَالَتْ رَدَدْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا.
وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ هِيَ النِّكَاحَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ وَصُورَةُ الرَّجْعَةِ ادَّعَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ ادَّعَى هُوَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَصُورَةُ الْفَيْءِ ادَّعَى الْمَوْلَى عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ فَاءَ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ أَوْ هِيَ ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصُورَةُ الرِّقِّ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ادَّعَى الْمَجْهُولُ أَنَّهُ مَوْلَاهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَصُورَةُ الِاسْتِيلَادِ أَنْ تَقُولَ الْجَارِيَةُ: أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَوْلَايَ وَهَذَا ابْنِي مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى أَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا قَدْ مَاتَ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَأَمَّا الْمَوْلَى إذَا ادَّعَى الِاسْتِيلَادَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يُتَصَوَّرُ الدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا فِي الِاسْتِيلَادِ خَاصَّةً وَصُورَةُ الْوَلَاءِ ادَّعَى مَجْهُولٌ عَلَى مَعْرُوفٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ ادَّعَى الْمَعْرُوفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَصُورَتُهُ فِي النَّسَبِ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ وَلَدُهُ بِأَنْ قَالَ: هَذَا ابْنِي وَهُوَ يُنْكِرُ أَوْ يَدَّعِي هُوَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْحُدُودُ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا إلَّا فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِيهَا لِأَجْلِ الْمَالِ وَصُورَتُهُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ سَرِقَةً فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ وَكَذَا اللِّعَانُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحُدُودِ وَصُورَتُهُ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا وَأَرَادَتْ اسْتِحْلَافَهُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ ثُمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي النِّكَاحِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمَالَ أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ ذَلِكَ وَجَبَ الِاسْتِحْلَافُ بِأَنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى كَذَا وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَزِمَهُ نِصْفُ مَهْرِهَا فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا قَصَدَ الْإِرْثَ وَالنَّفَقَةَ كَذَا فِي الْمُصَفَّى.
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُمَا إقْرَارٌ وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَأَمَّا دَعْوَى الْقِصَاصِ فَيُسْتَحْلَفُ فِيهَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَحْلَفَ فِي الْقَسَامَةِ فَإِنْ كَانَتْ دَعْوَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَامْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَمِينِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ مُسْتَعْظَمَةٌ فَلَمْ يَحْكُمْ فِيهَا بِالنُّكُولِ يَعْنِي إذَا حَلَفَ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ إذَا نَكَلَ وَقَالَ زُفَرُ يُقْضَى عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute