وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ قَوْلُ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ دُيُونَهُ كُلَّهَا مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ تَفِ كَانَ الْبَاقِي فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا لَمْ يَفِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ
قَوْلُهُ (وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ جَائِزَةٌ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ كَتَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ فَيَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا فَإِذَا مَاتَ أَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ جَازَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَمُحَابَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَتَصَرُّفَاتُهَا كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (وَإِذَا عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الْوَارِثُ قَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَمَّنْ يَمْلِكُهُ فَصَارَ كَمِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا زَالَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الرُّجُوعِ كَذَلِكَ هَذَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَارِثِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ عَلَى ظَاهِرِ مِلْكِهِ كَتَصَرُّفِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَحِقَ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ أَمَّا إذَا رَجَعَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ فَجَمِيعُ أَمْوَالِهِ عَلَى حَالِهَا وَلَا يَعْتِقُ مُدَبَّرُوهُ وَلَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ
قَوْلُهُ (وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا تَصَرَّفَتْ فِي مَالِهَا فِي حَالِ رِدَّتِهَا جَازَ تَصَرُّفُهَا) لِأَنَّ مِلْكَهَا لَا يَزُولُ بِرِدَّتِهَا ثُمَّ هِيَ لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْحَبْسِ أَوْ لَحِقَتْ كَانَ مَالُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا وَلَا يَرِثُ زَوْجُهَا مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِالرِّدَّةِ إلَّا إذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ حِينَئِذٍ يَرِثُ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَصَدَتْ الْفِرَارَ وَالزَّوْجُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
قَوْلُهُ (وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ) وَهْم قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ بِقُرْبِ الرُّومِ طَلَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَقَالُوا نَحْنُ قَوْمٌ لَنَا شَوْكَةٌ نَأْنَفُ مِنْ ذُلِّ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا الْجِزْيَةَ فَإِنَّا نَلْحَقُ بِأَعْدَائِك بِأَرْضِ الرُّومِ وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا ضِعْفَ مَا تَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَكَ ذَلِكَ فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْمُضَاعَفَةِ وَقَالَ لَهُمْ هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَتُوضَعُ عَلَى مَوَالِي التَّغْلِبِيِّ الْجِزْيَةُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ.
وَقَالَ زُفَرُ يُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ يَلْحَقُ بِهِ فِي حَقِّ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَلَنَا أَنَّ أَخْذَ مُضَاعَفَةِ الزَّكَاةِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ فَالْمَوْلَى فِيهِ لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ وَلِهَذَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ شَيْءٌ) لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الزَّكَاةِ الْمُضَاعَفَةِ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا مَالٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute