وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الْمَكْرُوهِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ مَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَرَامِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْحَرِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْكَرْخِيُّ فِي بَابِ الْكَفَنِ قَوْلُهُ (وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُحِلَّ الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ إذَا كَانَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعٍ يَعْنِي مَضْمُومَةً.
(قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِتَوَسُّدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَكَذَا افْتِرَاشُهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا جُعِلَ وِسَادَةً وَهِيَ الْمِخَدَّةُ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ اسْتِخْفَافٌ بِهِ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُكْرَهُ تَوَسُّدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْجَبَابِرَةِ وَالْأَكَاسِرَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ وَعِنْدَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَتَّكِئَ عَلَى جَمْرِ الْغَضَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى الْحَرِيرِ وَلِأَنَّ لُبْسَهُ لَا يَجُوزُ فَكَذَا الْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ» وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَضَرَ وَلِيمَةً فَجَلَسَ عَلَى وِسَادَةٍ حَرِيرٍ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ جَعَلَهُ سِتْرًا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ
قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الدِّيبَاجِ عِنْدَهُمَا فِي الْحَرْبِ وَيُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) اعْلَمْ أَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ يُكْرَهُ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ مُصْمَتًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى الرِّجَالَ عَنْ لُبْسِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ» ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي الْحَرْبِ فَلَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِأَنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَضَرَّةِ السِّلَاحِ وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ وَقُلْنَا الضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالْمَخْلُوطِ وَهُوَ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسُدَاهُ غَيْرُ حَرِيرٍ وَالْمَخْلُوطُ لَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ إجْمَاعًا ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ.
(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمُلْحَمِ الْحَرِيرِ إذَا كَانَ سُدَاهُ إبْرَيْسَمًا وَلُحْمَتُهُ قُطْنًا أَوْ خَزًّا) يَعْنِي فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسُدَاهُ غَيْرَ حَرِيرٍ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَرْبِ إجْمَاعًا، وَأَمَّا مَا كَانَتْ لُحْمَتُهُ وَسُدَاهُ كِلَاهُمَا مِنْ حَرِيرٍ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فِي الْحَرْبِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْحَرْبِ وَهَذَا إذَا كَانَ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ اتِّقَاءُ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّقَاءُ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَكَذَا اللُّؤْلُؤُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ قَوْلُهُ (إلَّا الْخَاتَمَ) يَعْنِي مِنْ الْفِضَّةِ لَا غَيْرُ أَمَّا الذَّهَبُ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّخَتُّمُ بِهِ ثُمَّ الْخَاتَمُ مِنْ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ إذَا ضُرِبَ عَلَى صِفَةِ مَا يَلْبَسُهُ الرِّجَالُ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى صِفَةِ خَوَاتِمِ النِّسَاءِ فَمَكْرُوهٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَدْرُ فِضَّةِ الْخَاتَمِ مِثْقَالًا وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْمِثْقَالَ وَلَوْ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَفَصُّهُ مِنْ عَقِيقٍ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ أَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ نَقَشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ أَوْ أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِهِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالصُّفْرِ وَالْحَجَرِ حَرَامٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمًا مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ مَا لِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ وَرَأَى عَلَى آخَرَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute