النَّوَافِلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ لِكَوْنِهَا جَبْرًا لِنُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْفَرَائِضِ فَلِهَذَا ذَكَرَ السَّهْوَ عَقِيبَ النَّوَافِلِ لِكَوْنِهِ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَكَانَ بَعْدَ الْجَمِيعِ وَهُوَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالسَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ ضِدُّ الذِّكْرِ إلَّا أَنَّ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَانَ عُزُوبُ الشَّيْءِ عَنْ النَّفْسِ بَعْدَ حُضُورِهِ وَالسَّهْوُ قَدْ يَكُونُ عَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ بِهِ عَالِمًا وَعَمَّا لَا يَكُونُ عَالِمًا بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُجُودُ السَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ) سَوَاءٌ (بَعْدَ السَّلَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَبْلَ السَّلَامِ فِيهِمَا وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ لِلنُّقْصَانِ فَقَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ لِلزِّيَادَةِ فَبَعْدَ السَّلَامِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ سَجَدَ عِنْدَنَا قَبْلَ السَّلَامِ جَازَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى
(قَوْلُهُ: يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ وَلَكِنْ لَا يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ؛ لِأَنَّ الْأَقْوَى لَا يَرْتَفِعُ بِالْأَدْنَى بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ فَتَرْفَعُهَا وَقَوْلُهُ يُسَلِّمُ أَيْ يَأْتِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَمَنْ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي الْفَجْرِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَلَّتْ الشَّمْسُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ سَقَطَتَا عَنْهُ وَكَذَا إذَا سَهَا فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْسُ وَفِي الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ يَعْنِي بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَوْضِعُهُ آخِرَ الصَّلَاةِ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَدْعُو فِي الْقَعْدَتَيْنِ جَمِيعًا وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ هَلْ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَخْرُجُ خُرُوجًا مَوْقُوفًا ثُمَّ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ عَادَ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ إذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فَاقْتِدَاؤُهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُمَا إنْ عَادَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ، وَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَسَقَطَ عَنْهُ السَّهْوُ إجْمَاعًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ، وَكَذَا إذَا قَهْقَهَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْقَعْدَةُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَا لِيَقَعَ خَتْمُ الصَّلَاةِ بِهَا حَتَّى لَوْ قَامَ وَتَرَكَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَذَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَالسَّهْوُ يَلْزَمُهُ إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا لَيْسَ مِنْهَا) فِي قَوْلِهِ يَلْزَمُهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فَكَانَ وَاجِبًا كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ بِتَأْخِيرِهِ أَوْ بِتَغْيِيرِ رُكْنٍ سَاهِيًا، وَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِهَا اُحْتُرِزَ عَنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَتَقْلِيبِ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا أَوْ مُفْسِدًا فَإِنْ قُلْت مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ مِنْهَا إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّائِدَ لَيْسَ مِنْهَا قُلْت اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا أَطَالَ الْقِيَامَ أَوْ الْقُعُودَ فَإِنَّهُ زَادَ فِيهَا فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ فَرْضٌ فَإِنْ قُلْت لِمَ وَجَبَ السَّهْوُ عِنْدَ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا هُوَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةُ ضِدُّ النُّقْصَانِ قُلْتُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا نُقْصَانٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَهُ سِتُّ أَصَابِعَ كَانَ لَهُ رَدُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ رَدُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَاعْلَمْ أَنَّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ يُجْبِرَانِ النُّقْصَانَ وَيُرْضِيَانِ الرَّحْمَنَ وَيُرْغِمَانِ الشَّيْطَانَ فَلِهَذَا هُمَا وَاجِبَتَانِ
(قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ فِعْلًا مَسْنُونًا) أَيْ فِعْلًا وَاجِبًا عُرِفَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ كَالْقَعْدَةِ الْأُولَى أَوْ قَامَ فِي مَوْضِعِ الْقُعُودِ أَوْ تَرَكَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِعْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا سَهَا عَنْ الْأَذْكَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ