للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ [١] ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ، وَحَاشَى [٢] بِهِمْ، ثُمَّ انْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ، حَتَّى انْصَرَفَ بِالنَّاسِ.

(تَنَبُّؤُ الرَّسُولِ بِمَا حَدَثَ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ الرُّومِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا أُصِيبَ الْقَوْمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، قَالَ: ثُمَّ صَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رُفِعُوا إلَيَّ فِي الْجَنَّةِ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَيْتُ فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا [٣] عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ، فَقُلْتُ: عَمَّ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: مَضَيَا وَتَرَدَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، ثُمَّ مَضَى.

(حُزْنُ الرَّسُولِ عَلَى جَعْفَرٍ وَوِصَايَتُهُ بِآلِهِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أُمِّ عِيسَى الْخُزَاعِيَّةِ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرِ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسَمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ:

لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ دَبَغْتُ أَرْبَعِينَ مَنًا [٤]- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى أَرْبَعِينَ مَنِيئَةً- وَعَجَنْتُ عَجِينِي، وَغَسَلْتُ بَنِيَّ وَدَهَنْتهمْ وَنَظَّفْتهمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ، فَتَشَمَّمَهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،


[١] وروى الطَّبَرَانِيّ عَن أَبى الْيُسْر قَالَ: أَنا دفعت الرَّايَة إِلَى ثَابت بن أقرم لما أُصِيب ابْن رَوَاحَة، فَدَفعهَا إِلَى خَالِد وَقَالَ: أَنْت أعلم بِالْقِتَالِ منى. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .
[٢] كَذَا فِي أ: وحاشى بهم (بِالْحَاء الْمُهْملَة) : انحاز بهم، وَهُوَ من الحشى، وَهِي النَّاحِيَة. وَفِي م، ر: «خاشى» (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) . والمخاشاة: المحاجزة، وَهِي مفاعلة من الخشية، لِأَنَّهُ خشِي على الْمُسلمين لقلَّة عَددهمْ.
[٣] ازورارا: ميلًا وعوجا.
[٤] فِي الْأُصُول: «منئا» . والتصويب عَن أَبى ذَر، وَهَذَا نَص عِبَارَته: «المنا» (بِالْقصرِ) :
الّذي يُوزن بِهِ. وَهُوَ الرطل. وتعنى أَرْبَعِينَ رطلا من دباغ. وَمن روى: «منيئة» فَمَعْنَاه: الْجلد مَا دَامَ فِي الدّباغ. وبهذه الرِّوَايَة الثَّانِيَة روى الحَدِيث صَاحب (اللِّسَان: منأ) .