للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلَّا بِقَوْلِهِ: حَسَّ [١] ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرْ لِي. فَقَالَ: سِرْ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُنِي عَمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ بَنِي غِفَارٍ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ، فَقَالَ وَهُوَ يَسْأَلُنِي: مَا فَعَلَ النَّفَرُ الْحُمْرُ الطِّوَالُ الثِّطَاطُ [٢] . فَحَدَّثْتُهُ بِتَخَلُّفِهِمْ. قَالَ:

فَمَا فَعَلَ النَّفَرُ السُّودُ الْجِعَادُ الْقِصَارُ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا أَعْرِفُ هَؤُلَاءِ مِنَّا [٣] . قَالَ:

بَلَى، الَّذِينَ لَهُمْ نَعَمٌ بِشَبَكَةِ شَدَخٍ [٤] ، فَتَذَكَّرْتهمْ فِي بَنِي غِفَارٍ، وَلَمْ أَذْكُرْهُمْ حَتَّى ذَكَرْتُ أَمْ لَهُمْ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ كَانُوا حُلَفَاءَ فِينَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُولَئِكَ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ، حَلْفَاءُ فِينَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مَنَعَ أَحَدٌ أُولَئِكَ حِينَ تَخَلَّفَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إبِلِهِ امْرَأً نَشِيطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إنَّ أَعَزَّ أَهْلِي عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِّي الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارُ وَغُفَارٌ وَأَسْلَمُ.

أَمْرُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ عِنْدَ الْقُفُولِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ

(دَعْوَتُهُمُ الرَّسُولَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِذِي أَوَانَ [٥] بَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، وَكَانَ أَصْحَابُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ قَدْ كَانُوا أَتَوْهُ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إلَى تَبُوكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا، فَتُصَلِّي لَنَا فِيهِ، فَقَالَ:

إنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ، وَحَالِ شُغْلٍ، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ قَدْ قَدِمْنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَتَيْنَاكُمْ، فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ.


[١] حس: كلمة مَعْنَاهَا: أتألم، يَقُولهَا الْإِنْسَان إِذا أُصِيب بِشَيْء. قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ بِمَعْنى أوه.
[٢] الثطاط: جمع ثط، وَهُوَ صَغِير نَبَات شعر اللِّحْيَة.
[٣] فِي أ: «هَؤُلَاءِ منى» .
[٤] كَذَا فِي الْأُصُول ومعجم الْبلدَانِ. وشبكة شدخ: مَاء لأسلم من بنى غفار. وَفِي اللِّسَان وَالنِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير (شَبكَ) : «بشبكة جرح» . فيهمَا أَنَّهَا مَوضِع بالحجاز فِي ديار غفار.
[٥] قَالَ أَبُو ذَر: «كَذَا وَقع فِي الأَصْل بِفَتْح الْهمزَة، والخشنيّ يرويهِ بِضَم الْهمزَة حَيْثُ وَقع» .
وَفِي مُعْجم مَا استعجم للبكرى: أَن نزل (بِذِي أوران) : مَوضِع مَنْسُوب إِلَى الْبِئْر الْمُتَقَدّمَة الذّكر، وَأَن الرَّاء سَقَطت مِنْهُ (١: ٢٠٦ طبعة الْقَاهِرَة) .
٣٤- سيرة ابْن هِشَام- ٢