للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَعْضِ آلِ أَبِي سَعِيدِ ابْن الْمُعَلَّى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمئِذٍ فِي كَلَامِهِ هَذَا: فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ الْعِبَادِ خَلِيلًا لَاِتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ صُحْبَةٌ وَإِخَاءُ إيمَانٍ حَتَّى يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنَنَا عِنْدَهُ.

(أَمْرُ الرَّسُولِ بِإِنْفَاذِ بَعْثِ أُسَامَةَ) :

وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَبْطَأَ النَّاسَ فِي بَعْثِ أُسَامَةَ ابْن زَيْدٍ، وَهُوَ فِي وَجَعِهِ، فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ أُسَامَةَ: أَمَّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جِلَّةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.

فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ، فَلِعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَإِنَّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا. قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْكَمَشَ [١] النَّاسُ فِي جَهَازِهِمْ، واستعزّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، فَخَرَجَ أُسَامَةُ، وَخَرَجَ جَيْشُهُ مَعَهُ حَتَّى نَزَلُوا الْجُرْفَ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخٍ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ، وَتَتَامَّ إلَيْهِ النَّاسُ، وَثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَامَ أُسَامَةُ وَالنَّاسُ، لِيَنْظُرُوا مَا اللَّهُ قَاضٍ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(وَصِيَّةُ الرَّسُولِ بِالْأَنْصَارِ) :

وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ صَلَّى وَاسْتَغْفَرَ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ، وَذَكَرَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ مَعَ مَقَالَتِهِ يَوْمئِذٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، اسْتَوْصُوا بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّ النَّاسَ يَزِيدُونَ، وَإِنَّ الْأَنْصَارَ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا عَيْبَتِي [٢] الَّتِي أَوَيْتُ إلَيْهَا، فَأَحْسِنُوا إلَى مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ.


[١] انكمش النَّاس: أَسْرعُوا.
[٢] عيبتي: مَوضِع ثقتي وسرى. والعيبة فِي الأَصْل: مَا يَجْعَل فِيهِ الثِّيَاب.