للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْفَرِيقَيْنِ، أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ. (ثُمَّ) [١] انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَعَظُمَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ فِرَاقُ قَوْمِهِ وَعَدَاوَتُهُمْ، وَلَمْ يَطِبْ نَفْسًا بِإِسْلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ وَلَا خِذْلَانِهِ.

(طَلَبُ أَبِي طَالِبٍ إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَفَّ عَنْ الدَّعْوَةِ وَجَوَابُهُ لَهُ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ قُرَيْشًا حِينَ قَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي، إنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَاءُونِي، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلَّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ، قَالَ: فَظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ بَدَاءٌ [٢] أَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمُّ، وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي [٣] عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَى ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا وَلَّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: أَقْبِلْ يَا بن أَخِي، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اذْهَبْ يَا بن أَخِي، فَقُلْ مَا أَحْبَبْت، فو الله لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءِ أَبَدًا.

(مَشْيُ قُرَيْشٍ إلَى أَبِي طَالِبٍ ثَالِثَةً بِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا حِينَ عَرَفُوا أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَدْ أَبَى خِذْلَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْلَامَهُ، وَإِجْمَاعَهُ لِفِرَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ وَعَدَاوَتِهِمْ، مَشَوْا إلَيْهِ بِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالُوا لَهُ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَا أَبَا طَالِبٍ، هَذَا عُمَارَةُ


[١] زِيَادَة عَن أ.
[٢] كَذَا فِي أ. والبداء: الِاسْم من بدا. يُرِيد: ظهر لَهُ رأى، فَسمى الرأى بداء، لِأَنَّهُ شَيْء يَبْدُو بعد مَا خَفِي. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بَدو» .
[٣] قَالَ السهيليّ: «خص الشَّمْس بِالْيَمِينِ لِأَنَّهَا الْآيَة المبصرة، وَخص الْقَمَر بالشمال لِأَنَّهَا الْآيَة الممحوة وَقد قَالَ عمر رَحمَه الله لرجل قَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن الشَّمْس وَالْقَمَر يقتتلان، وَمَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا نُجُوم، فَقَالَ عمر: مَعَ أَيهمَا كنت؟ فَقَالَ: مَعَ الْقَمَر، قَالَ: كنت مَعَ الْآيَة الممحوة، اذْهَبْ فَلَا تعْمل لي عملا. وَكَانَ عَاملا لَهُ فَعَزله، فَقتل الرجل فِي صفّين مَعَ مُعَاوِيَة، واسْمه حَابِس بن سعد.
وَخص رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النيرين حِين ضرب الْمثل بهما، لِأَن نورهما محسوس، والنور الّذي جَاءَ بِهِ من عِنْد الله» .