للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابْن حرَام أَبُو جَابِرٌ، سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا [١] ، أَخَذْنَاهُ مَعَنَا، وَكُنَّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمْرَنَا، فَكَلَّمْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا جَابِرٍ، إنَّكَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا، وَإِنَّا نَرْغَبُ بِكَ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِلنَّارِ غَدًا، ثُمَّ دَعَوْنَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبَرْنَاهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّانَا الْعَقَبَةَ. قَالَ: فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَنَا الْعَقَبَةَ، وَكَانَ نَقِيبًا.

قَالَ: فَنِمْنَا تَلِكَ اللَّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتَّى إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَتَسَلَّلُ تَسَلُّلَ الْقَطَا مُسْتَخْفِينَ، حَتَّى اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا، وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا: نُسَيْبَةُ [٢] بِنْتُ كَعْبٍ، أُمُّ عُمَارَةَ، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَابِي، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ، وَهِيَ أُمُّ مَنِيعٍ.

(الْعَبَّاسُ يَتَوَثَّقُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) :

قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَاءَنَا وَمَعَهُ (عَمُّهُ) [٣] الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، إلَّا أَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَيَتَوَثَّقَ لَهُ. فَلَمَّا جَلَسَ كَانَ أَوَّلَ [٤] مُتَكَلِّمٍ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ- قَالَ: وَكَانَتْ الْعَرَبُ إنَّمَا يُسَمُّونَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ الْأَنْصَارِ: الْخَزْرَجَ، خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا-: إنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا، مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ، فَهُوَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ، وَإِنَّهُ قَدْ أَبَى إلَّا الِانْحِيَازَ إلَيْكُمْ، وَاللُّحُوقَ بِكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ، وَمَانِعُوهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ


[١] الْعبارَة «وشريف من أشرافنا» سَاقِطَة فِي أ.
[٢] هِيَ امْرَأَة زيد بن عَاصِم، وَقد شهِدت بيعَة الْعقبَة وبيعة الرضْوَان، كَمَا شهِدت يَوْم الْيَمَامَة وباشرت الْقِتَال بِنَفسِهَا. وشاركت ابْنهَا عبد الله فِي قتل مُسَيْلمَة، فَقطعت يَدهَا. وجرحت اثنى عشر جرحا، ثمَّ عاشت بعد ذَلِك دهرا. ويروى أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أرى كل شَيْء إِلَّا للرِّجَال، وَمَا أرى للنِّسَاء شَيْئا! فَأنْزل الله تَعَالَى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ٣٣: ٣٥ ... الْآيَة.
[٣] زِيَادَة عَن أ، ط.
[٤] فِي أ: «أول من تكلم» .