للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي [١] ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَاذَا أَقْرَأُ؟ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلَّا افْتِدَاءً مِنْهُ أَنْ يَعُودَ لِي بِمِثْلِ مَا صَنَعَ بِي، فَقَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ.

عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ٩٦: ١- ٥. قَالَ: فَقَرَأْتهَا ثُمَّ انْتَهَى فَانْصَرَفَ عَنِّي وَهَبَبْتُ مِنْ [٢] نَوْمِي، فَكَأَنَّمَا كَتَبْتُ فِي قَلْبِي كِتَابًا. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إذَا كُنْتُ فِي وَسَطٍ مِنْ الْجَبَلِ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ، قَالَ:

فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلَى السَّمَاءِ أَنْظُرُ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ. قَالَ: فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِ فَمَا أَتَقَدَّمُ وَمَا أَتَأَخَّرُ، وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، قَالَ:

فَلَا أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إلَّا رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ، فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدَّمُ أَمَامِي وَمَا أَرْجِعُ وَرَائِي حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، فَبَلَغُوا أَعْلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا إلَيْهَا وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي.

(رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ عَلَى خَدِيجَةَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ جِبْرِيلَ مَعَهُ) :

وَانْصَرَفْتُ رَاجِعًا إلَى أَهْلِي حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَجَلَسْتُ إلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا [٣] إلَيْهَا:

فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَيْن كنت؟ فو الله لَقَدْ بَعَثَتْ رُسُلِي فِي طَلَبكَ حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ


[١] لَعَلَّ الْحِكْمَة فِي تَكْرِير: «اقْرَأْ ١٧: ١٤» الْإِشَارَة إِلَى انحصار الْإِيمَان الّذي ينشأ عَنهُ الْوَحْي بِسَبَبِهِ فِي ثَلَاث:
القَوْل، وَالْعَمَل، وَالنِّيَّة، وَأَن الْوَحْي يشْتَمل على ثَلَاث: التَّوْحِيد. وَالْأَحْكَام. والقصص. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .
[٢] قَالَ السهيليّ: «قَالَ فِي الحَدِيث: فأتانى وَأَنا نَائِم، وَقَالَ فِي آخِره: فهببت من نومي، فَكَأَنَّمَا كتبت فِي قلبِي كتابا. وَلَيْسَ ذكر النّوم فِي حَدِيث عَائِشَة وَلَا غَيرهَا، بل فِي حَدِيث عُرْوَة مَا يدل ظَاهره على أَن نزُول جِبْرِيل حِين نزل بِسُورَة «اقْرَأ» كَانَ فِي الْيَقَظَة، لِأَنَّهَا قَالَت فِي أول الحَدِيث: أول مَا بُدِئَ بِهِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصادقة، كَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح، ثمَّ حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء ... إِلَى قَوْلهَا: حَتَّى جَاءَهُ الْحق، وَهُوَ بِغَار حراء، فَجَاءَهُ جِبْرِيل. فَذكرت فِي هَذَا الحَدِيث أَن الرُّؤْيَا كَانَت قبل نزُول جِبْرِيل على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْقُرْآنِ، وَقد يُمكن الْجمع بَين الْحَدِيثين بِأَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ جِبْرِيل فِي الْمَنَام قبل أَن يَأْتِيهِ فِي الْيَقَظَة، تَوْطِئَة وتيسيرا عَلَيْهِ، ورفقا بِهِ، لِأَن أَمر النُّبُوَّة عَظِيم، وعبئها ثقيل، والبشر ضَعِيف» .
[٣] مضيفا: ملتصقا، يُقَال: أضفت إِلَى الرجل، إِذا ملت نَحوه ولصقت بِهِ، وَمِنْه سمى الضَّيْف ضيفا.