للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحَسُّ: الِاسْتِئْصَالُ: يُقَالُ: حَسَسْتُ الشَّيْءَ: أَيْ اسْتَأْصَلْتُهُ بِالسَّيْفِ وَغَيْرِهِ. قَالَ جَرِيرٌ:

تَحُسُّهُمْ السُّيُوفُ كَمَا تَسَامَى ... حَرِيقُ النَّارِ فِي الْأَجَمِ الْحَصِيدِ [١]

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:

إذَا شَكَوْنَا سَنَةً حَسُوسا ... تَأْكُلُ بَعْدَ الْأَخْضَرِ الْيَبِيسَا

وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: «حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ ٣: ١٥٢» : أَيْ تَخَاذَلْتُمْ «وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ ٣: ١٥٢» أَيْ اخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي، أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيِّكُمْ وَمَا عَهِدَ إلَيْكُمْ، يَعْنِي الرُّمَاةَ «وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ ٣: ١٥٢» : أَيْ الْفَتْحُ، لَا شَكَّ فِيهِ، وَهَزِيمَةُ الْقَوْمِ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا ٣: ١٥٢» : أَيْ الَّذِينَ أَرَادُوا النَّهْبَ فِي الدُّنْيَا وَتَرْكَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الطَّاعَةِ الَّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ «وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ٣: ١٥٢» : أَيْ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللَّهِ، وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ، لِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا، رَغْبَةً فِيهَا، رَجَاءَ مَا عِنْدِ اللَّهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ، لِعَرَضِ مِنْ الدُّنْيَا، لِيَخْتَبِرَكُمْ، وَذَلِكَ بِبَعْضِ ذُنُوبِكُمْ، وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْ عَظِيمِ ذَلِكَ، أَنْ لَا يُهْلِكَكُمْ بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ نَبِيِّكُمْ، وَلَكِنِّي عُدْتُ بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ، وَكَذَلِكَ «مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ٣: ١٦٤» أَنْ عَاقَبَ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا أَدَبًا وَمَوْعِظَةً، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ لِكُلِّ مَا فِيهِمْ مِنْ الْحَقِّ لَهُ عَلَيْهِمْ، بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِ، رَحْمَةً لَهُمْ، وَعَائِدَةً عَلَيْهِمْ، لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ.

(تَأْنِيبُهُ إيَّاهُمْ لِفِرَارِهِمْ عَنْ نَبِيّهم) :

ثمَّ أنبّههم بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يُدْعَوْنَ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إيَّاهُمْ، فَقَالَ: «إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ، فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا مَا أَصابَكُمْ ٣: ١٥٣» : أَيْ كَرْبًا بَعْدَ كَرْبٍ، بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْ إخْوَانِكُمْ، وَعُلُوِّ


[١] تسامى: ارْتَفع. والأجم: جمع أجمة، وَهُوَ الشّجر الملتف والحصيد: المحصود الْمَقْطُوع.