للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(تَأْمِيرُ ابْنِ عَوْفٍ وَاعْتِمَامُهُ) :

ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْ يَتَجَهَّزَ لِسَرِيَّةِ بَعَثَهُ عَلَيْهَا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ اعْتَمَّ بِعِمَامَةِ مِنْ كَرَابِيسَ [١] سَوْدَاءَ، فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، ثُمَّ نَقَضَهَا، ثُمَّ عَمَّمَهُ بِهَا، وَأَرْسَلَ مِنْ خَلْفِهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا يَا بن عَوْفٍ فَاعْتَمَّ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ وَأَعْرَفُ، ثُمَّ أَمَرَ بَلَالًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ اللِّوَاءَ. فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَصلى الله عَلَى نَفْسِهِ، ثمَّ قَالَ: خَدّه يَا بْنَ عَوْفٍ، اُغْزُوَا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ باللَّه، لَا تَغُلُّوا [٢] ، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلَيَدًا، فَهَذَا عَهْدُ اللَّهِ وَسِيرَةُ نَبِيِّهِ فِيكُمْ. فَأَخَذَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ اللِّوَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَخَرَجَ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ.

غَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ

(نَفَادُ الطَّعَامِ وَخَبَرُ دَابَّةِ الْبَحْرِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عِبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إلَى سِيفِ الْبَحْرِ [٣] ، عَلَيْهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَزَوَّدَهُمْ جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَ يَقُوتُهُمْ إيَّاهُ، حَتَّى صَارَ إلَى أَنْ يَعُدَّهُ عَلَيْهِمْ عَدَدًا. قَالَ: ثُمَّ نَفِدَ التَّمْرُ، حَتَّى كَانَ يُعْطَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ تَمْرَةً. قَالَ: فَقَسَمَهَا يَوْمًا بَيْنَنَا. قَالَ: فَنَقَصَتْ تَمْرَةٌ عَنْ رَجُلٍ، فَوَجَدْنَا فَقَدَهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ. قَالَ: فَلَمَّا جَهَدَنَا الْجُوعُ أَخَرَجَ اللَّهُ لَنَا دَابَّةً مِنْ الْبَحْرِ، فَأَصَبْنَا مِنْ لَحْمِهَا وَوَدَكِهَا [٤] ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً، حَتَّى سَمِّنَا وَابْتَلَلْنَا [٥] ، وَأَخَذَ أَمِيرُنَا ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهَا، فَوَضَعَهَا عَلَى طَرِيقِهِ، ثُمَّ أَمَرَ


[١] الكرابيس: جمع كرباس، وَهُوَ الْقطن.
[٢] لَا تغلوا: لَا تخونوا فِي الْمَغَانِم.
[٣] سيف الْبَحْر: جَانِبه وساحله.
[٤] الودك: الشَّحْم.
[٥] ابتللنا: أفقنا من ألم الْجُوع الّذي كَانَ بِنَا، من قَوْلك: بل فلَان من مَرضه، وأبل، واستبل:
إِذا أَخذ فِي الرَّاحَة.