للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابْن الْمُغِيرَةِ بَعْدَ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، كَانَ لَجَأَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّنَهُ، عَلَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَ بَعْدَ ثَلَاثٍ قُتِلَ، فَأَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَتَوَارَى فَبَعَثَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إنَّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدَاهُ فَقَتَلَاهُ.

(شَأْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بَعْدَ ذَلِكَ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، كَمَا حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، لَهُ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ لَا يُنْكَرُ، شَرَفًا لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ، وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا، إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، قَامَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أَكْرَمَكُمْ اللَّهُ وَأَعَزَّكُمْ بِهِ، فَانْصُرُوهُ وَعَزِّرُوهُ، وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، ثُمَّ يَجْلِسُ حَتَّى إذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا صَنَعَ، وَرَجَعَ بِالنَّاسِ، قَامَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ، فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ، وَقَالُوا: اجْلِسْ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، لَسْتُ لِذَلِكَ بِأَهْلِ، وَقَدْ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ، فَخَرَجَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَكَأَنَّمَا قُلْتُ بَجْرًا [١] أَنْ قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ. فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِد، فَقَالَ: مَالك؟ وَيْلَكَ! قَالَ: قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ، فَوَثَبَ عَلَيَّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْذِبُونَنِي وَيُعَنِّفُونَنِي، لَكَأَنَّمَا قُلْتُ بَجْرًا أَنْ قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ، قَالَ: وَيْلَكَ! ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَبْتَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي.

(كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ مِحْنَةٍ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ وَتَمْحِيصٍ، اخْتَبَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَحَنَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ، مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ، وَيَوْمًا أَكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشَّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ.


[١] بجزا: أمرا عَظِيما. ويروى: «هجرا» ، وَهُوَ الْكَلَام الْقَبِيح.