للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ مِمَّنْ صَبَرَ يَوْمَئِذٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ حِينَ أَسْلَمَ، وَهُوَ آخِذٌ بِثَفَرِ بَغْلَتِهِ [١] ، فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ أُمِّكَ [٢] يَا رَسُولَ اللَّهِ.

(شَأْنُ أُمِّ سُلَيْمٍ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَفَتَ فَرَأَى أمّ سليم [٣] بنت مِلْحَانَ، وَكَانَتْ مَعَ زَوْجِهَا أَبِي طَلْحَةَ [٤] وَهِيَ حَازِمَةٌ وَسَطَهَا بِبُرْدٍ لَهَا، وَإِنَّهَا لَحَامِلٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمَعَهَا جَمَلُ أَبِي طَلْحَةَ، وَقَدْ خَشِيَتْ أَنْ يَعُزَّهَا [٥] الْجَمَلُ، فَأَدْنَتْ رَأْسَهُ مِنْهَا، فَأَدْخَلَتْ يَدَهَا فِي خِزَامَتِهِ [٦] مَعَ الْخِطَامِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمُّ سُلَيْمٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، اُقْتُلْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْهَزِمُونَ عَنْكَ كَمَا تَقْتُلُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكَ، فَإِنَّهُمْ لِذَلِكَ أَهْلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ يَكْفِي اللَّهُ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ [٧] ؟ قَالَ: وَمَعَهَا خِنْجَرٌ [٨] ، فَقَالَ لَهَا أَبُو طَلْحَةَ: مَا هَذَا الْخِنْجَرُ مَعَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ قَالَتْ: خِنْجَرٌ أَخَذته، إِن- نَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ


[١] الثفر بِالتَّحْرِيكِ: السّير فِي مُؤخر السرج.
[٢] قَوْله: أَنا ابْن أمك: إِنَّمَا هُوَ ابْن عمك، لكنه أَرَادَ أَن يتَقرَّب إِلَيْهِ، لِأَن الْأُم الَّتِي هِيَ الْجدّة قد تجمعهما فِي النّسَب.
[٣] فِي اسْمهَا خلاف، قيل هِيَ (مليكَة بنت ملْحَان) وَقيل (رميلة) ، وَيُقَال (سهيلة) . وتعرف بالغميصاء، لرمص كَانَ فِي عينيها.
[٤] هُوَ زيد بن سهل بن الْأسود بن حرَام.
[٥] يعزها: يغلبها.
[٦] الخزامة: حَلقَة من شعر تجْعَل فِي أنف الْبَعِير.
[٧] وَفِي رِوَايَة: إِن الله قد كفى وَأحسن. وَيُؤْخَذ من رد النَّبِي على أم سليم أَن فرار الْمُسلمين يَوْم حنين لم يكن من الْكَبَائِر، وَلم يجمع الْعلمَاء على أَن الْفِرَار مَعْدُود فِي الْكَبَائِر إِلَّا فِي يَوْم بدر، قَالَ تَعَالَى: وَمن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ٨: ١٦ فَيَوْمئِذٍ إِشَارَة إِلَى يَوْم بدر، أما الفارون يَوْم أحد فقد نزل فيهم: (وَلَقَد عَفا الله عَنْهُم) وَأما الفارون فِي يَوْم حنين فقد نزل فيهم أَيْضا (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ٩: ٢٥) إِلَى قَوْله:
(غَفُورٌ رَحِيمٌ ٩: ٢٧) .
[٨] الخنجر بِفَتْح الْخَاء- وَكسرهَا- السكين.