للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَرَجْتُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالدَّوْلَةُ وَالرِّيحُ [١] لِلْمُسْلِمِينَ.

فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، انْحَزْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْتُ أُبَاشِرُ الْقِتَالَ، وَأَذُبُّ عَنْهُ بِالسَّيْفِ، وَأَرْمِي عَنْ الْقَوْسِ، حَتَّى خَلَصَتْ الْجِرَاحُ إلَيَّ.

قَالَتْ: فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ، فَقُلْتُ: مَنْ أَصَابَكَ بِهَذَا؟

قَالَتْ: ابْنُ قَمِئَةَ، أَقْمَأَهُ [٢] اللَّهُ! لَمَّا وَلَّى النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَقُولُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُنَاسٌ مِمَّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضَّرْبَةَ وَلَكِنْ فَلَقَدْ ضَرَبْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ضَرْبَاتٍ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ.

(أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرَّسُولِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَرَّسَ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ، يَقَعُ النَّبْلُ فِي ظَهْرِهِ، وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ، حَتَّى كَثُرَ فِيهِ النَّبْلُ. وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النَّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ: ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، حَتَّى إنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ مَا لَهُ نَصْلٌ، فَيَقُولُ: ارْمِ بِهِ.

(بَلَاءُ قَتَادَةَ وَحَدِيثُ عَيْنِه) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى انْدَقَّتْ سِيَتُهَا [٣] ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةَ بْنُ النُّعْمَانِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ، وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهَا بِيَدِهِ، فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا.


[١] يُرِيد «بِالرِّيحِ» النَّصْر.
[٢] أقمأه الله: أذله.
[٣] السية: طرف الْقوس.