للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِدَمِ كَانَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ، فَتَكَلَّمَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَتْ لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ، فَمَا شِئْتُمْ. إنْ شِئْتُمْ فَأَدُّوا عَلَيْنَا مَا لَنَا قِبَلَكُمْ، وَنُؤَدِّي مَا لَكُمْ قِبَلَنَا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّمَا هِيَ الدِّمَاءُ: رَجُلٌ بِرَجُلِ، فَتَجَافَوْا عَمَّا لَكُمْ قِبَلَنَا، وَنَتَجَافَى عَمَّا لَنَا قِبَلَكُمْ، فَهَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَالُوا:

صَدَقَ، رَجُلٌ بِرَجُلِ. فَلَهَوْا عَنْهُ [١] ، فَلَمْ يُطْلِبُوا بِهِ.

قَالَ: فَبَيْنَمَا أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ يَسِيرُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، إذْ نَظَرَ إلَى عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوَّحِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، فَلَمَّا رَآهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ حَتَّى أَنَاخَ بِهِ، وَعَامِرٌ مُتَوَشِّحٌ سَيْفَهُ، فَعَلَاهُ مِكْرَزٌ بِسَيْفِهِ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ خَاضَ بَطْنَهُ بِسَيْفِهِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ مَكَّةَ، فَعَلَّقَهُ مِنْ اللَّيْلِ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَلَمَّا أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ رَأَوْا سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ مُعَلَّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَعَرَفُوهُ، فَقَالُوا: إنَّ هَذَا لَسَيْفُ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَدَا عَلَيْهِ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ. فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ حَرْبِهِمْ، حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النَّاسِ، فَتَشَاغَلُوا بِهِ، حَتَّى أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ إلَى بَدْرٍ، فَذَكَرُوا الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَخَافُوهُمْ.

(شِعْرُ مِكْرَزٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا) :

وَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا:

لَمَّا رَأَيْتُ أَنَّهُ هُوَ عَامِرٌ ... تَذَكَّرْتُ أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحَّبِ [٢]

وَقُلْتُ لِنَفْسِي: إنَّهُ هُوَ عَامِرٌ ... فَلَا تَرْهَبِيهِ، وَانْظُرِي أَيَّ مَرْكَبِ

وَأَيْقَنْتُ أَنِّي إنْ أُجَلِّلَهُ ضَرْبَةً ... مَتَى مَا أُصِبْهُ بِالْفَرَافِرِ يَعْطَبْ

خَفَضْتُ لَهُ جَأْشِي وَأَلْقَيْتُ كَلْكَلِي [٣] ... عَلَى بَطَلٍ شَاكِّي السِّلَاحِ مُجَرَّبِ [٣]

وَلَمْ أَكُ لَمَّا الْتَفَّ رُوعِي وَرُوعُهُ ... عُصَارَةَ هُجُنٍ مِنْ نِسَاءٍ وَلَا أَبِ


[١] فِي أ: «مِنْهُ» . قَالَ الْأَصْمَعِي: «لهيت عَن فلَان وَمِنْه، فَأَنا ألهى: تركته» .
[٢] الأشلاء: البقايا. والملحب: الّذي ذهب لَحْمه.
[٣] فِي أ: «حفظت» . والجأش: النَّفس. والكلكل: الصَّدْر. وشاكي السِّلَاح: محدده.