للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دَسْرًا بِأَطْرَافِ الْقَنَا الْمُقَوَّمِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ فَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّمَا ذَلِكَ بِذُنُوبِ مِنْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ كَمَا اسْتَغْفَرُوهُ، وَامْضُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينِهِمْ، وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ رَاجِعِينَ، وَاسْأَلُوهُ كَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبِّتَ أَقْدَامَكُمْ، وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَكُلُّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ، وَقَدْ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُمْ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَمَا وَعَدَ اللَّهُ فِيهَا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

(تَحْذِيرُهُ إيَّاهُمْ مِنْ إطَاعَةِ الْكُفَّارِ) :

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» ٣: ١٤٩: أَيْ عَنْ عَدُوِّكُمْ، فَتَذْهَبُ دُنْيَاكُمْ وآخِرَتُكُمْ «بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ» ٣: ١٥٠، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ صِدْقًا فِي قُلُوبِكُمْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَنْصِرُوا بِغَيْرِهِ، وَلَا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ مُرْتَدِّينَ عَنْ دِينِهِ.

«سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ» ٣: ١٥١: أَيْ الَّذِي بِهِ كُنْتُ أَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِمَا أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ حُجَّةٍ، أَيْ فَلَا تَظُنُّوا أَنَّ لَهُمْ عَاقِبَةَ نَصْرٍ وَلَا ظُهُورٍ عَلَيْكُمْ مَا اعْتَصَمْتُمْ بِي، وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي، لِلْمُصِيبَةِ الَّتِي أَصَابَتْكُمْ مِنْهُمْ بِذُنُوبٍ قَدَّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ، خَالَفْتُمْ بِهَا أَمْرِي لِلْمَعْصِيَةِ، وَعَصَيْتُمْ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ، وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [١] ، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ، وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ، وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ٣: ١٥٢» أَيْ وَقَدْ وَفَّيْتُ لَكُمْ بِمَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ النَّصْرِ عَلَى عَدُوِّكُمْ، إذْ تُحِسُّونَهُمْ بِالسُّيُوفِ، أَيْ الْقَتْلِ، بِإِذْنِي وَتَسْلِيطِي أَيْدِيكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكَفَّى أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ.


[١] قَالَ السهيليّ: «قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ عبد الله بن جُبَير الّذي كَانَ أَمِيرا على الرُّمَاة، وَكَانَ أَمرهم أَن يلزموا مكانهم، وَلَا يخالفوا أَمر نَبِيّهم، فثبتت مَعَه طَائِفَة، فاستشهد واستشهدوا، وهم الَّذين أَرَادوا الْآخِرَة، وَأَقْبَلت طَائِفَة على الْمغنم وَأخذ السَّلب، فكر عَلَيْهِم الْعَدو وَكَانَت الْمُصِيبَة» .
٨- سيرة ابْن هِشَام- ٢