للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُهُ اللَّهُ بِكَمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللَّهُ مِنْهُ، وَتَلَوَّمَ [١] أَبُو ذَرٍّ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ، أَخَذَ مَتَاعَهُ فَحَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاشِيًا. وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهِ، فَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيقِ وَحْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا ذَرٍّ [٢] . فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ الْقَوْمُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ وَاَللَّهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إلَى الرَّبَذَةِ [٣] ، وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ إلَّا امْرَأَتُهُ وَغُلَامُهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنْ اغْسِلَانِي وَكَفِّنَانِي، ثُمَّ ضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكَمْ فَقُولُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلَا ذَلِكَ بِهِ. ثُمَّ وَضَعَاهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عُمَّارٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إلَّا بِالْجِنَازَةِ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، قَدْ كَادَتْ الْإِبِلُ تَطَؤُهَا، وَقَامَ إلَيْهِمْ الْغُلَامُ. فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ. قَالَ: فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي وَيَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَمْشِي وَحْدَكَ، وَتَمُوتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ. ثُمَّ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَوَارَوْهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرِهِ إلَى تَبُوكَ.

(تَخْذِيلُ الْمُنَافِقِينَ لِلْمُسْلِمَيْنِ وَمَا نَزَلَ فِيهِمْ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، مِنْهُمْ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ، حَلِيفٌ لِبَنِي سَلِمَةَ، يُقَالُ لَهُ:

مُخَشِّنُ بْنُ حُمَيِّرٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ مَخْشِيٌّ- يُشِيرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ


[١] تلوم: تمكث وتمهل.
[٢] كن أَبَا ذرّ: لَفظه لفظ الْأَمر، وَمَعْنَاهُ الدُّعَاء، أَي أَرْجُو الله أَن تكون أَبَا ذَر.
[٣] الرَّبَذَة: مَوضِع قرب الْمَدِينَة.