للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَدُوِّكُمْ عَلَيْكُمْ، وَبِمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: قُتِلَ نَبِيُّكُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ، مِنْ ظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ، وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مِنْ قَتْلِ إخْوَانِكُمْ، حَتَّى فَرَّجْتُ ذَلِكَ الْكَرْبَ عَنْكُمْ «وَالله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» ٣: ١٥٣. وَكَانَ الَّذِي فَرَّجَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكَرْبِ وَالْغَمِّ الَّذِي أَصَابَهُمْ، أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَدَّ عَنْهُمْ كِذْبَةَ الشَّيْطَانِ بِقَتْلِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، هَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ، وَالْمُصِيبَةُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي إخْوَانِهِمْ، حِينَ صَرَفَ اللَّهُ الْقَتْلَ عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ، يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ، قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ، وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ، وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَالله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ٣: ١٥٤» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ الْيَقِينِ بِهِ، فَهُمْ نِيَامٌ لَا يَخَافُونَ، وَأَهْلُ النِّفَاقِ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَظُنُّونَ باللَّه غَيْرَ [١] الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [٢] ، تَخَوُّفَ الْقَتْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَةً، فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَلَاوُمَهُمْ وَحَسْرَتَهُمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ» ٣: ١٥٤ لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْطِنَ الَّذِي أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِ مِنْكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِرِكُمْ «لَبَرَزَ ٣: ١٥٤» لَأَخْرَجَ «الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ ٣: ١٥٤» إلَى مَوْطِنٍ غَيْرِهِ يُصْرَعُونَ فِيهِ، حَتَّى يُبْتَلَى بِهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ «وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَالله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ٣: ١٥٤» : أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِمَّا اسْتَخْفَوْا بِهِ مِنْكُمْ.


[١] أَي يظنون أَن الله خاذل دينه وَنبيه.
[٢] أَي أهل الْجَاهِلِيَّة كأبى سُفْيَان وَأَصْحَابه.