للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّدْلِيس على التَّدْلِيس الْمُقَيد بالقادح فِي الْعَدَالَة، وَكَذَلِكَ الْقدر والتشيّع لَا يقتضيان الردّ إِلَّا بضميمة أُخْرَى، وَلم نجدها هَاهُنَا.

ثمَّ عرضا بعد ذَلِك للردّ على طعن الطاعنين وَاحِدًا وَاحِدًا، كَقَوْل مكي بن إِبْرَاهِيم، إِنَّه ترك حَدِيث ابْن إِسْحَاق وَلم يعد إِلَيْهِ، وكقول يزِيد بن هَارُون: إِنَّه حدث أهل الْمَدِينَة عَن قوم، فَلَمَّا حَدثهمْ عَنهُ (يُرِيد ابْن إِسْحَاق) أَمْسكُوا. وكقول ابْن نمير: إِنَّه يحدّث عَن المجهولين أَحَادِيث بَاطِلَة، إِلَى كثير غير هَذَا نجتزئ مِنْهُ بِمَا ذكرنَا، ونردفه بِمَا قيل فِي الردّ عَلَيْهِ، فَالْكَلَام فِي هَذَا متشابه، والإكثار مِنْهُ مملول، وجلّ مَا لنا عَن الرجل أَن الحكم لَهُ أرجح من الحكم عَلَيْهِ، قَالَا: وَأما قَول مكي بن إِبْرَاهِيم: إِنَّه ترك حَدِيثه وَلم يعد إِلَيْهِ، فقد علل ذَلِك بِأَنَّهُ سَمعه يحدّث أَحَادِيث فِي الصِّفَات فنفر مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِك كَبِير أَمر، فقد ترخص قوم من السّلف فِي رِوَايَة الْمُشكل من ذَلِك، وَلَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيله، وَلَا سِيمَا إِذا تضمن الحَدِيث حكما أَو أمرا آخر، وَلَقَد تكون هَذِه الْأَحَادِيث من هَذَا الْقَبِيل. وَأما الْخَبَر عَن يزِيد بن هَارُون أَنه حدث أهل الْمَدِينَة عَن قوم، فَلَمَّا حَدثهمْ عَنهُ أَمْسكُوا، فَلَيْسَ فِيهِ ذكر لمقْتَضى الْإِمْسَاك، وَإِذا لم يذكر لم يبْق إِلَّا أَن يجول فِيهِ الظنّ، وَلَيْسَ لنا أَن نعارض عَدَالَة منقولة بِمَا قد نظنه جرحا.

وَأما قَول ابْن نمير: إِنَّه يحدث عَن المجهولين أَحَادِيث بَاطِلَة، فَلَو لم ينْقل توثيقه وتعديله لتردّد الْأَمر فِي التُّهْمَة بِمَا بَينه وَبَين من نقلهَا عَنهُ، وَأما مَعَ التوثيق وَالتَّعْدِيل فالحمل فِيهَا على المجهولين الْمشَار إِلَيْهِم لَا عَلَيْهِ.

بقيت مَسْأَلَة، وَهِي اتهام ابْن إِسْحَاق بِأَنَّهُ كَانَت تعْمل لَهُ الْأَشْعَار، وَيُؤْتى بهَا، وَيسْأل أَن يدخلهَا فِي كِتَابه فِي السِّيرَة، فيفعل.

وَفِي الحقّ أَن هَذَا مَأْخَذ على ابْن إِسْحَاق، إِن لم يكن فِي طَريقَة النَّقْل والتحمّل، فَهُوَ مطْعن فِي مِقْدَار علمه بالشعر، وَأَنه يقبل الْأَشْعَار عَنْهَا وسمينها، باطلها وصحيحها وَلَو أَن ابْن إِسْحَاق حكّم ذوقه، ووقف من هَذِه الْأَشْعَار وَقْفَة النَّاقِد، لخلّص كِتَابه من أشعار أَكثر الظنّ فِيهَا أَنَّهَا مَوْضُوعَة، ولخلّص نَفسه من مطْعن جارح يسجله الْكتاب عَلَيْهِ على مرّ السنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>