للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهِ عَلَيْهِ) [١] فِي حَفْرِ زَمْزَمَ مِنْ قَوْلِهِ: «لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ» إلَى قَوْلِهِ: «عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ» عِنْدَنَا سَجْعٌ وَلَيْسَ شِعْرًا.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: وَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ لَهُ:

عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ، حَيْثُ يُنْقَرُ الْغُرَابُ غَدًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.

فَعَدَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرَهُ، فَوَجَدَ قَرْيَةَ النَّمْلِ، وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ: إسَافٍ وَنَائِلَةٍ، اللَّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهَا. فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ، فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْا جِدَّهُ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِابْنِهِ الْحَارِثِ: ذُدْ عَنِّي حَتَّى أحفر، فو الله لَأَمْضِيَنَّ لِمَا أُمِرْتُ بِهِ. فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ غَيْرُ نَازِعٍ [٢] ، خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ، وَكَفُّوا عَنْهُ، فَلَمْ يَحْفِرْ إلَّا يَسِيرًا، حَتَّى بَدَا لَهُ الطَّيُّ، فَكَبَّرَ وَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ صُدِقَ.

فَلَمَّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ فِيهَا غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُمَا الْغَزَالَانِ اللَّذَانِ دَفَنَتْ جُرْهُمٌ فِيهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ، وَوَجَدَ فِيهَا أَسْيَافًا قَلْعِيَّةً [٣] وَأَدْرَاعًا، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، لَنَا مَعَكَ فِي هَذَا شِرْكٌ وَحَقٌّ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ هَلُمَّ إلَى أَمْرٍ نَصَفٍ [٤] ، بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ: نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ [٥] ، قَالُوا: وَكَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ:


[١] زِيَادَة عَن أ.
[٢] يُقَال: نزع عَن الْأَمر نزوعا (وَرُبمَا قَالُوا: نزاعا) : إِذا كف وانْتهى.
[٣] قلعية: نِسْبَة إِلَى القلعة (بِالْفَتْح ثمَّ السّكُون) : قيل جبل بِالشَّام. وَقَالَ مسعر بن مهلهل فِي خبر رحلته إِلَى الصين: « ... ثمَّ رجعت من الصين إِلَى كلة، وَهِي أول بِلَاد الْهِنْد من جِهَة الصين، وإليها تَنْتَهِي المراكب ثمَّ لَا تتجاوزها، وفيهَا قلعة عَظِيمَة فِيهَا مَعْدن الرصاص القلعي، لَا يكون إِلَّا فِي قلعتها، وَفِي هَذِه القلعة تضرب السيوف القلعية، وَهِي الْهِنْدِيَّة العتيقة. وَأهل هَذِه القلعة يمتنعون على ملكهم إِذا أَرَادوا ويطيعونه إِذا أَرَادوا» . وَقَالَ: «لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَعْدن الرصاص القلعي إِلَّا فِي هَذِه القلعة» ، وَبَينهَا وَبَين سندابل، مَدِينَة الصين، ثَلَاث مائَة فَرسَخ، وحولها مدن ورساتيق وَاسِعَة. وَقَالَ أَبُو الريحان: «يجلب الرصاص القلعي من سرنديب، جَزِيرَة فِي بَحر الْهِنْد» .
وبالأندلس إقليم القلعة من كورة قبرة، ويظن أَن الرصاص القلعي ينْسب إِلَيْهَا. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ، وعجائب الْهِنْد) .
[٤] النّصْف: اسْم من الْإِنْصَاف.
[٥] القداح: جمع قدح (بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال) ، وَهُوَ السهْم الّذي كَانُوا يستقسمون بِهِ،