للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَيْنَنَا، ثُمَّ قَامَ إلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ [١] وَأَجْلَسَهُ مَعَ الْقَوْمِ. فَلَمَّا رَآهُ بَحِيرَى جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا وَيَنْظُرُ إلَى أَشْيَاءَ مِنْ جَسَدِهِ، قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ، حَتَّى إذَا فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ طَعَامِهِمْ وَتَفَرَّقُوا، قَامَ إلَيْهِ بَحِيرَى، فَقَالَ (لَهُ) [٢] :

يَا غُلَامُ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالْعُزَّى إلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ بَحِيرَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ سَمِعَ قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بِهِمَا [٣] . فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَهُ) [٢] : لَا تَسْأَلْنِي بِاللات والعزّى، فو الله مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطُّ بُغْضَهُمَا، فَقَالَ لَهُ بَحِيرَى: فباللَّه إلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ. فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ فِي نَوْمِهِ وَهَيْئَتِهِ وَأُمُورِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ، فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ بَحِيرَى مِنْ صِفَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إلَى ظَهْرِهِ، فَرَأَى خَاتَمَ [٤] النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى مَوْضِعِهِ مِنْ صِفَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مِثْلَ أَثَرِ الْمِحْجَمِ [٥] .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغَ، أَقْبَلَ عَلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي. قَالَ لَهُ بَحِيرَى: مَا هُوَ بِابْنِكَ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا، قَالَ: فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي، قَالَ: فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: مَاتَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، فَارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إلَى بَلَدِهِ، وَاحْذَرْ عَلَيْهِ يهود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لَيَبْغُنَّهُ [٦] شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لَابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ عَظِيمٌ، فَأَسْرِعْ بِهِ إلَى بِلَادِهِ.


[١] احتضنه: أَخذه من حضنه، أَي مَعَ جنبه.
[٢] زِيَادَة عَن أ.
[٣] وَيُقَال إِنَّه إِنَّمَا سَأَلَهُ بِاللات والعزى اختبارا، وَهُوَ أولى من قَول ابْن إِسْحَاق. (رَاجع الشِّفَاء، وَشرح الْمَوَاهِب اللدنية) .
[٤] قيل سمى بذلك لِأَنَّهُ من العلامات الَّتِي يعرفهُ بهَا عُلَمَاء الْكتب السَّابِقَة. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .
[٥] المحجم: الْآلَة، الَّتِي يحجم بهَا يعْنى أثر المحجمة القابضة على اللَّحْم حَتَّى يكون ناتئا. وَفِي الْخَبَر أَنه كَانَ حوله خيلان فِيهَا شَعرَات سود، وَأَنه كَانَ كالتفاحة، أَو كبيضة الْحَمَامَة. عِنْد نغض (غضروف) كتفه الْيُسْرَى. رَاجع (شرح الْمَوَاهِب، وَالرَّوْض) .
[٦] كَذَا فِي أوالطبري وَشرح الْمَوَاهِب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ليبغينه» ، وَهُوَ تَحْرِيف.