وَأَصْحَابه، فيشتموا بِكُمْ، وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنُوا [١] بِهِمْ لَا يَأْرَبُ [٢] عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ. قَالَ: وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ، زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَعَقِيلُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنْ اللَّيْلِ، فَقَالَ لِغُلَامِ لَهُ:
وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: اُنْظُرْ هَلْ أُحِلَّ النَّحْبُ، هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا؟
لَعَلِّي أَبْكِي عَلَى أَبِي حَكِيمَةَ، يَعْنِي زَمَعَةَ، فَإِنَّ جَوْفِي قَدْ احْتَرَقَ. قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ الْغُلَامُ قَالَ: إنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لَهَا أَضَلَّتْهُ. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ:
أَتَبْكِي أَنْ يَضِلَّ لَهَا بَعِيرٌ ... وَيَمْنَعُهَا مِنْ النَّوْمِ السُّهُودُ
فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ ... عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتْ الْجُدُودُ [٣]
عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ ... وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ
وَبَكِّي إنْ بَكَّيْتِ عَلَى عَقِيلٍ ... وَبَكِّي حَارِثًا أَسَدَ الْأُسُودِ
وَبَكِّيهِمْ وَلَا تَسَمِي جَمِيعًا ... وَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ [٤]
أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ ... وَلَوْلَا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا إقْوَاءٌ [٥] ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ مِنْ أَشْعَارِهِمْ، وَهِيَ عِنْدَنَا إكْفَاءٌ [٦] . وَقَدْ أَسْقَطْنَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْ هَذَا [٧] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السَّهْمِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ لَهُ بِمَكَّةَ ابْنَا كَيِّسًا تَاجِرًا ذَا مَال: وكأنّكم بِهِ قَدْ جَاءَكُمْ فِي طَلَبِ فِدَاءِ أَبِيهِ، فَلَمَّا قَالَتْ قُرَيْشٌ لَا تَعْجَلُوا [٨] بِفِدَاءِ أُسَرَائِكُمْ،
[١] حَتَّى تستأنوا بهم، أَي تؤخروا فداءهم.
[٢] لَا يأرب: لَا يشْتَد.
[٣] الْبكر: الْفَتى من الْإِبِل.
[٤] وَلَا تسمى، أَي وَلَا تسأمى، فَنقل حَرَكَة الْهمزَة ثمَّ حذفهَا. والنديد: الشبيه والمثل.
[٥] الإقواء: اخْتِلَاف فِي حَرَكَة الروي.
[٦] قَالَ أَبُو ذَر: «الإكفاء اخْتِلَاف الْحُرُوف فِي القوافي» .
[٧] تعقيب ابْن هِشَام على الشّعْر سَاقِط فِي أ، ط.
[٨] فِي: «لَا تجْعَلُوا» وَهُوَ تَحْرِيف.