للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يضع أشرف شيءٍ منه وأعلاه ـ وهو الوجه ـ فيه (١)، وقد صار أعلاه أسفله؛ خضوعًا بين يَدَي ربِّه الأعلى، وخشوعًا له، وتذلُّلًا لعظمته، واستكانةً لعِزَّته. وهذا غاية خشوع الظَّاهر.

فإنَّ الله سبحانه خَلَقَه من الأرض التي هي مذلَّلةٌ للوطء (٢) بالأقدام، واستعمره (٣) فيها، وردَّه إليها، ووعده بالإخراج منها، فهي أُمُّه وأبوه وأصْلُه وفصْلُه، فضمَّته (٤) حيًّا على ظهرها، وميِّتًا في بطنها، وجُعِلَت له طُهْرًا ومسجدًا، فأُمِر بالسُّجود؛ إذ هو غاية خشوع الظَّاهر، وأجمع العبوديَّة لسائر الأعضاء، فيُعَفِّر وجهه في التُّراب؛ استكانةً وتواضعًا وخضوعًا وإلقاءً باليدين. وقال مسروقٌ لسعيد بن جبير: «يا سعيد (٥)، ما بقي شيءٌ يُرْغَب (٦) فيه إلَّا أن نعفِّر وجوهنا في هذا التَّراب له» (٧).

وكان النَّبِيُّ لا يتَّقي الأرض بوجهه قصدًا؛ بل إذا اتَّفَق له ذلك


(١) «فيه» ليست في هـ وط.
(٢) س: «للواطيء».
(٣) هـ وط: «واستعمله».
(٤) س: «تظمه».
(٥) «يا سعيد» ليست في هـ وط.
(٦) ض: «نرغب».
(٧) أخرجه أحمد في الزهد (ص/٣٤٩)، وهنَّاد في الزهد (١/ ٣١٢)، وأبونعيم في الحلية (٢/ ٩٦) وغيرهم، من طريق سفيان أويونس عن أبي إسحاق السَّبيعي عن سعيدٍ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>