الأقوال التي توجد -مع الأسف- في كثير من أمصار المسلمين وبلدانهم، بل وفي بعض دور العلم عندهم، كقولهم: إن الله في كل مكان، وقولهم: إن الله ليس له مكان، وقولهم: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، إلى غير ذلك، تعبيرات باطلة دخلت على المسلمين في آخر دولة بني أمية، وإنما دخلت من الفلسفة التي ترجمت عن فلسفة اليونان، الذين كانوا ملاحدة زنادقة، كـ أرسطو طاليس وأمثاله من الكفرة والزنادقة الذين لم يكونوا على دين من أديان السماء.
وأرسطو طاليس هذا كان قبل المسيح بن مريم عليه الصلاة والسلام بأكثر من ثلاثمائة سنة.
فدخلت معانيهم إلى المسلمين عن طريق الترجمة، والترجمة بدأت مبكرة، وذلك في آخر الدولة الأموية، وقوة الخلافة العباسية، ولا سيما في زمن الرشيد والمأمون، فترجمت هذه المعاني وانتشرت، ومن أمثالها: المعنى الذي يقول: إن الله في كل مكان، والمعنى الذي يقول: إن الله ليس له مكان، والمعنى الذي يقول: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، فهذه كلها عبارات باطلة أنكرها أئمة الإسلام، وممن أنكرها الإمام مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة، وأجمع علماء الإسلام على إنكارها، وتبديع أهلها وتضليلهم.
وإذا قرأت كتاب الله من أوله إلى آخره، فلن تجد أن الله ذكر هذا عن نفسه، ولا ذكره الرسول عنه، بل المذكور في القرآن قوله تعالى:{أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}[الملك:١٦] وقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}[النحل:٥٠] وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:١] والمذكور في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله:(ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك)، وقوله للجارية:(أين الله؟ قالت: في السماء.
قال: ومن أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها، فإنها مؤمنة).
والقول بأن الله لا داخل العالم ولا في خارجه، أو أن الله في كل مكان؛ هو من الضلال، ومما ينزه سبحانه وتعالى عنه.
والعرب في جاهليتهم مع شركهم كانت عندهم الفطرة السليمة في هذا المقام، حتى كان عنترة وهو من شعراء الجاهلية يقول:
يا عبل أين من المنية مهربُ ... إن كان ربي في السماء قضاها
فكانوا يثبتون أن الله سبحانه وتعالى في السماء؛ فإن هذا ما فطر الله الخلق عليه، وهو أنه سبحانه وتعالى فوق السماوات، وأنه بائن من الخلق.