قال رحمه الله: [ويحافظون على الجماعات، ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشده بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه)].
وهذا مشروع في حق الخاصة أكثر مما هو في حق العامة؛ ولذلك مما يعجب منه -وهذا من قلة الفقه بأخلاق الشريعة- أن بعض طلبة العلم إذا أراد أن ينكر على أحد من العامة فربما أحسن التلطف، وإذا خالف غيره من أهل العلم أو من أقرانه من طلبة العلم فيما هو من مسائل الاجتهاد، فربما صار عنده من الانغلاق والتعصب لقوله والانتصار لنفسه شيء كثير ..
فهذه الأخلاق التي يشير إليها المصنف لا بد أن تكون محققة؛ لأنها هي هدي صاحب الرسالة.
والسلفية ليست فقط مجموعة من العقائد تُقال، بل هي منهج في العقائد ومنهج في العلم ومنهج في العمل.
[وقوله صلى الله عليه وسلم:(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء].
أي: أنهم يتكلمون في السلوك، والإشكال الواقع الآن: أن بعض من يتكلم في عقيدة السلف يحصرها في الأصول النظرية التي وقع الجدل فيها مع المتكلمين، والمتكلمون في الجملة نظار ما دخل عليهم التصوف إلا على يد بعض الأشعرية، أو بعض المنتسبين للسنة والجماعة من المتكلمين، أما أساطين علم الكلام الأوائل المعتزلة فكانوا أبعد ما يكونون عن التصوف، فلم يكونوا متصوفة على طريقة الصوفية التي تؤمن بالأحوال وما إلى ذلك، وإن كان من المعتزلة من هو من العباد، لكنه يختلف عن كونه صوفياً، فهو عابد على طريقة التعبد الواضحة، ليس على طريقة التصوف الأحوالية المستعملة عند الصوفية بدرجاتها.
والمقصود من هذا: أن هذا المذهب -وهو مذهب أهل السنة والجماعة- يتعلق القول فيه بالعقائد النظرية، ويتعلق القول فيه بمسائل السلوك والأحوال، فلهم هدي في مسائل السلوك.
وبعض من يقصد إلى الرد على المخالف قد تغلبه الحال في رده، فيتأخر عن مقام الاعتدال، فمن يرد على الشيعة قد يقصر في حق آل البيت، ومن يرد على الصوفية قد يقصر فيسقط بعض مقامات السلوك من باب الرد على الصوفية، فهذا لا شك أنه ينافي العدل والاعتدال.