[قبول ما ورد في القرآن من أسماء الله وصفاته]
قال المصنف رحمه الله: [فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً].
(فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه) وهذه ضرورة عقلية، وضرورة شرعية، والمصنف هنا يستعمل باب الضرورات، وهي المعاني المسلمة.
وهذه طريقة فاضلة في الجدل، وهي مستعملة في القرآن، وهي: الاستدلال على المختلف بالمؤتلف، أي: أن تستدل على المختلف فيه بالمؤتلف عليه أو بالمتفق عليه.
ومن استعمالها في القرآن: أنه لما خالف المشركون في توحيد العبادة وإفراد الله بالتوحيد، ذكر الله سبحانه وتعالى إقرارهم بتوحيد الربوبية؛ من باب الاستدلال على المختلف فيه مع المشركين -وهو الألوهية- بالمتفق عليه معهم وهو الربوبية.
وهي طريقة معروفة حتى في علم الجدل والمنطق.
فالمصنف يقول: (فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه).
ولما كان أعلم بنفسه فإن ضرورة حكم العقل توجب أن يؤخذ ما يتعلق بأسمائه وصفاته مما أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولما امتنع أن يكون أحد من خلقه أعلم به سبحانه وتعالى من نفسه، وجب تصديق سائر ما ورد في القرآن من أسماء الرب سبحانه وتعالى وصفاته.
قوله: (وأصدق قيلاً) أي: قولاً {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:١٢٢] (وأحسن حديثاً) أي: أبلغ.
الغلط في المعاني: إما أن يكون سببه العجز عن البيان، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك.
وإما أن يكون سببه فساد الإرادة، والله سبحانه وتعالى لا أحد أصدق منه.
فلما كان بيانه سبحانه وتعالى لخلقه في هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، علم أن معاني الآيات في أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته على ظاهرها.
ولا يجوز لأحد أن يقول: إن المسلمين اختلفوا فيها كما اختلف فقهاؤهم في آيات الأحكام، فإنه يقال: إن باب الأحكام مبني على تحصيل الحكم المختص، وأما باب الخبر فإنه مبني على التصديق والتكذيب، وآيات الصفات هي من باب الخبر، والخبر ليس أمام العقل فيه إلا أحد أمرين: إما التصديق وإما التكذيب، بخلاف آيات الأحكام فإنها لتحصيل الحكم المختص.
وعامة ما يذكره سبحانه وتعالى في كتابه: أمر ونهي.
والأمر والنهي إذا ذكرت معانيها المفصلة، قيل: قد يكون الأمر على الإيجاب، وقد يكون الأمر على الاستحباب، وقد يكون الأمر على الإباحة، والنهي قد يكون من باب التحريم، وقد يكون من باب الكراهة والتنزيه.
فلما وجد هذا التفصيل في الأحكام جاز اختلاف الفقهاء فيها بخلاف مورد الخبر.
ومما يدل على هذا المعنى: أنك لا ترى أحداً من طوائف المسلمين ينازع في دلالة قصص الأنبياء، بل كلهم يصدقون بها على معنىً واحد في الجملة ولا يختلفون في تفسيرها، وقد تقدم معنا أن مخالفة من خالف في باب الأسماء والصفات ليست فرعاً عن النظر في آيات القرآن، إنما هي فرع عن علم الكلام.