للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطأ من جعل عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين]

لا يدخل في خلفاء الرسول عمر بن عبد العزيز؛ وإن قال بعض أهل العلم: أن عمر بن عبد العزيز هو الخليفة الخامس، فهذا من التكلف، فـ عمر بن عبد العزيز رحمه الله وإن كان فقيهاً عادلاً؛ إلا أنه لا يمكن أن يصل إلى شأن الصحابة أبداً ويقال: إنه خليفة خامس ..

وهذا أيضاً مخالف للسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ..)، والإمام أحمد رحمه الله لما بلغه عن بعض أهل العراق أنهم يقولون: إن عمر بن عبد العزيز هو الخليفة الخامس، أنكر ذلك، وقال: ألم يقل النبي: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة)؟ فالخلافة ثلاثون سنة تنتهي بخلافة علي بن أبي طالب، ويبقى منها بضعة أشهر هي في إمارة الحسن بن علي بن أبي طالب، لكن لا يمكن أن تستوعب خلافة عمر بن عبد العزيز، ثم النبي قال: (ثلاثون)، أي: متصلة، فحتى لو فرض أنه بعد علي بن أبي طالب بقي سنة أو سنتان فإنها تكون لـ معاوية، ولماذا تذهب لـ عمر بن عبد العزيز؟ فلو فرض أنه بقي منها سنتان أو ثلاث أو أربع فإنها تكون لـ معاوية، فـ معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز، ولا جدال في هذا، أما كون عمر بن عبد العزيز موصوفاً بالعدل؛ فإن ذلك لأنه جاء والعدل سهل عليه؛ فـ عمر بن عبد العزيز ما واجه ابن الزبير في مكة معارضاً، ولا واجه الحسين بن علي معارضاً، ولا واجه غيرهم، عمر بن عبد العزيز جاء في ملك وسلطان ملكي مستقر، والدولة قوية، والسياسة قوية، والأمور كلها على التمام، والميزانية العامة قوية، وكل الأمور الداعية إلى الاستقرار قوية، لكنها تحتاج إلى صدق من الحاكم، فكانت كل أدوات الاستقرار موجودة، فجاء وعمر بن عبد العزيز، فصدق، فاستقر الأمر.

أما معاوية فالصدق موجود عنده، لكن أدوات الاستقرار السياسية -إن صح التعبير- غير موجودة، فهناك معارضون أقوى منه في الجانب الديني الشرعي، فـ ابن الزبير كان أقوى في الجانب الديني، وأهل مكة كانوا شبه مبايعين له إلى أن سمي بأمير المؤمنين، وقبل ابن الزبير كان علي بن أبي طالب، ومقامه عند المسلمين وشأنه أقوى من معاوية.

فـ عمر بن عبد العزيز ما واجه مثل هذا أصلاً، كان يواجه أناساً ليس لهم هذه المنزلة الشرعية كمنزلة علي بن أبي طالب أو بعض الصحابة من بعد علي بن أبي طالب كـ ابن الزبير ونحوهم.

فالمقصود: أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه هو من الخلفاء وأئمة الفقهاء، ولكن لا يصح أن يقال: إنه خليفة خامس؛ لأن هذا مخالف للسنة من جهة، ولأنه يوحي بأنه أفضل من معاوية بن أبي سفيان من جهة، ومعاوية أفضل منه، وإن كان ابن تيمية رحمه الله يقول: إن العدل الذي حصل في زمن عمر بن عبد العزيز كثير منه أو أكثره لم يحصل زمن معاوية ..

وهذا صحيح، وكلام شيخ الإسلام لا جدال عليه، لكن كما ذكرت سابقاً أن أدوات الاستقرار العدلية عند عمر بن عبد العزيز كانت متوفرة، فلا يمكن أن يكون هناك استقرار بدون اقتصاد، والاقتصاد المنضبط كان موجوداً، حتى قال بعض أهل العلم في قوله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يسعى قوم بالصدقة لا يقبلها أحد).

أن ذلك كان في زمن عمر بن عبد العزيز، فكان هناك استقرار، ومن أين جاء عمر بن عبد العزيز بهذا الاستقرار؟ الميزانية العامة التي كانت من فتوحات من قبله جاءت لـ عمر بن عبد العزيز شبه باردة.

فلا ينكر مقامه رحمه الله، لكن لا ينبغي كثرة الإطراء والزيادة إلى خلط مسائل العلم بهذه الطريقة، ولذلك كان جواب الإمام أحمد في هذا حسناً وقوياً: أن هذا مخالف للسنة؛ لأن الخلفاء الأربعة هم خلفاء الرسول، وعمر بن عبد العزيز ليس له سنة، ومن قال: إنه له سنة فقد خالف السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>